للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَأْسَ بِأَنْ يُجِيبَ دَعْوَةَ ذِي الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْنَ الْقَرَابَاتِ لَيْسَ مِنْ جَوَالِبِ الْقَضَاءِ عَادَةً وَلَا صِدْقَ فِي ذَلِكَ كَالْأَقَارِبِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ قَبْلَ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُضَيِّفَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ مَعَهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ نَهْي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ.

(قَالَ) وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ فِي الشَّرْعِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِعْمَ الشَّيْءُ الْهَدِيَّةُ إذَا دَخَلَتْ الْبَابَ ضَحِكَتْ الْأُسْكُفَّةُ». وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْهَدِيَّةُ تُذْهِبُ وَجَرَ الصَّدْرِ، أَوْ وَغَرَ الصَّدْرِ». وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا»، وَلَكِنَّ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا مَنْ تَعَيَّنَ لِذَلِكَ كَالْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ فَعَلَيْهِ التَّحَرُّزُ عَنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ خُصُوصًا مِمَّنْ كَانَ لَا يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَوَالِبِ الْقَضَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الرِّشْوَةِ وَالسُّحْتِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَجَاءَ بِمَالٍ فَقَالَ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا مِمَّا أُهْدِيَ إلَيَّ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ مَا بَالُ قَوْمٍ نَسْتَعْمِلُهُمْ فَيَقْدَمُوا بِمَالٍ وَيَقُولُونَ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا مِمَّا أُهْدِيَ إلَيَّ فَهَلَّا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عِنْدَ حِفْشِ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا» وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا قَالَ تَنَاتَجَتْ الْخُيُولُ وَتَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا قَالَ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدْت فِي بَيْتِك فَنَظَرْت أَيُهْدَى إلَيْك أَمْ لَا فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَعَرَفْنَا أَنَّ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِنْ الرِّشْوَةِ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَكْلِ بِالْقَضَاءِ وَمِمَّا يَدْخُلُ بِهِ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ وَيَطْمَعُ فِيهِ النَّاسُ فَلِيُتَحَرَّزْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَقَدْ كَانَ التَّهَادِي بَيْنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ عَادَةً، وَلِأَنَّهُ مِنْ جَوَالِبِ الْقَرَابَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى صِلَةِ الرَّحِمِ، وَفِي الرَّدِّ مَعْنَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ مِنْ الْمَلَاعِنِ. فَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ قَبُولُ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُقَالُ إذَا دَخَلَتْ الْهَدِيَّةُ مِنْ الْبَابِ خَرَجَتْ الْأَمَانَةُ مِنْ الْكُوَّةِ.

وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْلُوَ فِي مَنْزِلِهِ مَعَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ كَمَا لَا يُسَارُّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْضِيَ فِي مَنْزِلِهِ وَحَيْثُ أَحَبَّ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَضَاءِ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ، وَلِأَنَّهُ فِي كَوْنِهِ طَاعَةً لَا يَكُونُ فَوْقَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَأَحْسَنُ ذَلِكَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ حَيْثُ تُقَامُ جَمَاعَةُ النَّاسِ يَعْنِي فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ التُّهْمَةِ، وَلِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مَوْضِعُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَهْدِيه إلَى ذَلِكَ مِنْ الْغُرَبَاءِ كَانَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ

وَلَا يَقْضِي وَهُوَ يَمْشِي وَيَسِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ عَلَيْهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>