للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُنْسَبَ إلَى شَيْءٍ يُعْرَفُ بِهِ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَيُّزِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ بِدُونِ التَّعْيِينِ. فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ لَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ شُبْهَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إلَّا وَاحِدًا فَأَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَأَنَّهُ قَدْ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ إذَا كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ تَارِيخِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ قَبِلْتُهُ وَأَبْطَلْتُ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْلُومِ لِلْقَاضِي، وَلَوْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْقَاضِي وُجُودُهُ وَمَوْتُهُ قَبْلَ تَارِيخِ الْكِتَابِ لَمْ يَمْتَنِعْ لِأَجْلِهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ ذُكِرَ الِاسْمُ وَالنَّسَبُ مُطْلَقًا فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَيِّتَ يُذْكَرُ فِي الْكِتَابِ فُلَانٌ الْمَيِّتُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ تَارِيخِ الْكِتَابِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ حَيًّا حِينَ كَتَبَ الْقَاضِي، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَا يُمَيِّزُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَرَأَيْت لَوْ ادَّعَى هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَاحْتَجَّ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بِالْحَيِّ أَكَانَ يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ، وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَا يُمَيِّزُ مُوَرِّثَهُمْ مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكِتَابِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لِفُلَانٍ، وَقَدْ مَاتَ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا دُونَ الْحَيِّ، وَإِنْ كَانَ نَسَبَهُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ إلَى أَبِيهِ وَإِلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، أَوْ إلَى تَمِيمٍ أَوْ هَمْدَانَ لَمْ أُجِزْهُ حَتَّى يَنْسِبَهُ إلَى فَخِذِهِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا أَدْنَاهَا إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَقُولَ قَبِيلَتُهُ عَلَيْهَا الْعَرَّافَةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّعْرِيفُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنِسْبَتِهِ إلَى أَدْنَى الْأَفْخَاذِ أَرَأَيْتَ لَوْ قَالُوا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْعَرَبِيُّ أَوْ نَسَبُوهُ إلَى آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَانَ يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِذَلِكَ

(قَالَ) إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا مَشْهُورًا أَشْهَرَ مِنْ الْقَبِيلَةِ فَيُقْبَلَ ذَلِكَ إذَا نَسَبَهُ إلَى تِلْكَ الشُّهْرَةِ فَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَحْصُلُ بِالشُّهْرَةِ فَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ.

، وَلَوْ جَاءَ بِكِتَابِ قَاضٍ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى دَارٍ لَيْسَ فِيهَا حُدُودٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِهِ فِي مَجْلِسِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَجْهُولٌ فَفِيمَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْقَاضِي التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ الْحُدُودِ فَيَبْقَى مَجْهُولًا بِدُونِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا حَدُّوهَا بِحَدَّيْنِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا ذَكَرُوا أَحَدَ حَدَّيْ الطُّولِ وَأَحَدَ حَدِّ الْعَرْضِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ وَيَكْتَفِيَ بِهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْحَدَّيْنِ لَا يَصِيرُ مِقْدَارُ الْمَشْهُودِ بِهِ مَعْلُومًا فَإِنْ حَدُّوهَا بِثَلَاثَةِ حُدُودٍ جَازَ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْجَهَالَةِ حِينَ لَمْ يَذْكُرُوا الْحَدَّ الرَّابِعَ وَقِيَاسُ هَذَا بِمَا لَوْ ذَكَرُوا الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ وَغَلِطُوا فِي أَحَدِهَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>