للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَغَيْرِهِ فَلَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، وَكَذَلِكَ أَمِينُ الْقَاضِي إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يَدْفَعَ مَالًا فَقَالَ قَدْ دَفَعْته، وَأَنْكَرَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فَالْأَمِينُ يُصَدَّقُ فِي نَزَاهَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاضٍ فَالْحُجَّةُ لَا تَتِمُّ بِقَوْلِهِ

وَأَيُّمَا رَجُلٍ ادَّعَى غَلَطًا فِي الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا تُعَادُ لَهُ الْقِسْمَةُ، وَلَكِنَّهُ يُسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ الْغَلَطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُعَادِلَةُ فِي الْقِسْمَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاسِمَ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ

وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ قَاسِمًا ذِمِّيًّا وَلَا مَمْلُوكًا وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَلَا أَعْمَى وَلَا فَاسِقًا وَلَا أَحَدًا مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْكَاتِبِ. فَكَذَلِكَ فِي الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنُوبُ عَنْ الْقَاضِي فِيمَا يَكُونُ مِنْ تَتِمَّةِ عَمَلِهِ، وَقَدْ تَحْتَاجُ الْخُصُومُ إلَى شَهَادَةِ الْقَاسِمِ فَلَا يُخْتَارُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ إلَّا مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ وَجَدَ النَّاسُ لِذَلِكَ مَقَالًا فِي الْقَاضِي يَقُولُونَ لِمَ اخْتَرْته إذَا كُنْتَ لَا تَعْتَمِدُ قَوْلَهُ

وَإِذَا رَأَى الْقَاضِي وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ رَجُلًا يَزْنِي أَوْ يَسْرِقُ، أَوْ يُشْرِبُ الْخَمْرَ، ثُمَّ رُفِعَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِاكْتِسَابِهِ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ عَلَيْهِ وَالْعِلْمُ الَّذِي اسْتَفَادَهُ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ فَوْقَ الْعِلْمِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ حَتَّى لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، أَوْ يُقِرُّ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ، ثُمَّ وُلِّيتَ هَلْ تُقِيمُهُ عَلَيْهِ قَالَ لَا حَتَّى يَشْهَدَ مَعِي غَيْرِي فَقَالَ أَصَبْتَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجَوِّزُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ مِنْ خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَوْفِيهَا الْإِمَامُ عَلَى سَبِيلِ النِّيَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَصْمٌ يُطَالِبُ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ فَلَوْ اكْتَفَى بِعِلْمِ نَفْسِهِ فِي الْإِقَامَةِ رُبَّمَا يَتَّهِمُهُ بَعْضُ النَّاسِ بِالْجَوْرِ وَالْإِقَامَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَحْدِ الْقَذْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ خَصْمٌ يُطَالِبُ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ وَبِوُجُودِهِ تَنْتَفِي التُّهْمَةُ عَنْ الْقَاضِي فَكَانَ مُصَدَّقًا فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا رَجَعَ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ لِوُقُوعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرَيْهِ. فَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ، وَأَنْكَرَهُ الرَّجُلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ فَكُلُّ مُسْلِمٍ أَمِينٌ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا ضَمَّنَهُ فِي السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَلَا يَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ عَنْ الْإِقْرَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>