للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّبَبَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إذَا عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْصِيَ، ثُمَّ اسْتَقْصَى فَشَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلٌ وَأَخَذَ بِذَلِكَ قَضَى بِهِ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ كَانَ عَلِمَ مِنْهَا عِلْمًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ عِلْمُهُ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَهُ وَإِكْمَالُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَا يُمْكِنُ وَالْقَاضِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ إلَّا بِحُجَّةٍ فَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ مَعَ الرَّجُلِ الْآخَرِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ عِنْدَ الْإِمَامِ الَّذِي فَوْقَهُ حَتَّى يَقْضِيَ هُوَ بِذَلِكَ.

وَإِذَا دَفَعَ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ إلَى تَاجِرٍ فَجَحَدَهُ التَّاجِرِ فَالْقَاضِي مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّاجِرِ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ فِيمَا يَفْعَلُهُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَفِيمَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ الْقَضَاءِ هُوَ مُصَدَّقٌ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مَالَ مَيِّتٍ فِي دَيْنِهِ فَلَا عُهْدَةَ عَلَى الْقَاضِي فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ مِنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ فِيمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ يَكُونُ خَصْمًا لَا قَاضِيًا. وَإِذَا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى مَنْ وَقَعَ عَمَلُهُ لَهُمْ فَإِنْ جَحَدَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ الْبَيْعَ قَاضَاهُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي بَاشَرَ السَّبَبَ، وَكَذَلِكَ هُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ قَضَى بِهِ مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ طَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِذَلِكَ عِنْدِي، أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَيَسَعُ لِلَّذِي سَمِعَ مِنْ الْقَاضِي ذَلِكَ أَنْ يَعْتَمِدَ قَوْلَهُ حَتَّى فِي الرَّجْمِ وَالنَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. وَقَالَ فِي الْحُدُودِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ لَا يَسَعُ السَّامِعَ إقَامَةُ ذَلِكَ بِمُجَرِّدِ قَوْلِ الْقَاضِي مَا لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَرَجَةُ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَلَا تَبْلُغُ دَرَجَةُ الْقَاضِي دَرَجَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحُرْمَةُ النَّفْسِ عَظِيمَةٌ وَالْغَلَطُ فِيهَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَلَا يَسَعُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْقَاضِي وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْقَاضِي مُلْزِمٌ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ مُبَاشَرَتَهُ الْقَضَاءَ قَوْلٌ مُلْزِمٌ. فَكَذَلِكَ إخْبَارُهُ بِالْقَضَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَقْصِي فِي كُلِّ بَلْدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَلَوْ كَانَتْ الْحُجَّةُ لَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ خَبَرِ الْقَاضِي بِهِ لَجَرَى الرَّسْمُ بِإِيجَادِ الْقَاضِينَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ لِصِيَانَةِ الْحُقُوقِ كَمَا جَرَى الرَّسْمُ بِهِ فِي الشُّهُودِ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِقَاضٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْقَاضِي حُجَّةٌ تَامَّةٌ.

وَلَوْ عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ فَخَاصَمَهُ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا قَضَيْتُ بِهِ عَلَيْك كَانَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَسْئُولٍ بِبَيِّنَةٍ وَلَا مُسْتَحْلَفٍ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ الْخُصُومَةَ وَالضَّمَانَ عَنْهُ فَيَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>