للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أُبَيٍّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا ذِي غَمْرَةٍ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ»، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُمُرُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ جَدِّهِ زَادَ فِيهِ «وَلَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا شَهَادَةُ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ»، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ ذُكِرَ «وَلَا مَجْلُودَ حَدٍّ يَعْنِي فِي الْقَذْفِ» وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ شَهِدَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ قَنْبَرٍ عِنْدَ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِدِرْعٍ لَهُ قَالَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَكَانَ الْحَسَنِ، أَوْ مَكَانَ قَنْبَرٍ قَالَ لَا بَلْ مَكَانَ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَا «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ هُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَقَالَ قَدْ سَمِعْت، وَلَكِنْ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ فَعَزَلَهُ عَنْ الْقَضَاءِ، ثُمَّ أَعَادَهُ عَلَيْهِ وَزَادَ فِي رِزْقِهِ

فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ لِلْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُصُوصِيَّةً فِي ذَلِكَ لِمَا خَصَّهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السِّيَادَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ السَّبَبَ الْمَانِعَ وَهُوَ الْوِلَادُ قَائِمٌ فِي حَقِّهِ وَلَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ حَقِيقَةً فِي حَقِّ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ فَيَبْنِي الْحُكْمَ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ وَهُوَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِلَيْهِ رَجَعَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمَعْنَى فِيهِ تَمَكُّنُ تُهْمَةِ الْكَذِبِ فَإِنَّ الْعَدَالَةَ تَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخَصْمَيْنِ فِي حَقِّهِ وَلَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي شَهَادَةِ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ، أَوْ فِيمَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَا يَظْهَرُ رُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ بِاعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ لِظُهُورِ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ. فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ إمَّا لِشُبْهَةِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا، أَوْ لِمَنْفَعَةِ الشَّاهِدِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَالْمَنَافِعُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّصِلَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: ١١] بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ فَدَلِيلُ الْعَادَةِ هُنَاكَ مُشْتَرَكٌ مُتَعَارِضٌ فَقَدْ تَكُونُ الْقَرَابَةُ سَبَبًا لِلتَّحَاسُدِ وَالْعَدَاوَةِ وَأَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْإِخْوَة بَيَانُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة: ٢٧] وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي حَالِ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِخْوَتِهِ فَمَكَانُ التَّعَارُضِ يُظْهِرُ رُجْحَانَ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِظُهُورِ عَدَالَتِهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ لَا تُوجَدُ فِي الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَلَا يُشْكَلُ هَذَا عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ عَنْ إنْصَافٍ.

فَأَمَّا فِي شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ يُخَالِفُنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَقُولُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَعْضِيَّةٌ وَالزَّوْجِيَّةُ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلتَّنَافُرِ وَالْعَدَاوَةِ، وَقَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْمَيْلِ وَالْإِيثَارِ فَهِيَ نَظِيرُ الْإِخْوَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>