للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتِسَاخِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ انْتِسَاخُ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَالْوِلَايَةِ «وَرَجْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَهُودِيَّيْنِ دِينًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ».

وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي ذِمِّيَّيْنِ دِينًا قَالَا يُدْفَعَانِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمَا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَمِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ حُكْمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَالسَّلَفُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى هَذَا حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَتَبَّعْت أَقَاوِيلَ السَّلَفِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُجَوِّزْ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا أَنِّي رَأَيْت لِرَبِيعَةَ فِيهِ قَوْلَيْنِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ كَالْمُسْلِمِ وَبَيَانِ الْوَصْفِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوِلَايَةُ دُونَ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٧٢] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَصِحُّ الْأَنْكِحَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَالْمُسْلِمُ إذَا خَطَبَ إلَى كِتَابِيٍّ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ جَازَ النِّكَاحُ.

وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ تَعْدِي وِلَايَتِهِ إلَى الْغَيْرِ وَالشَّهَادَةُ نَوْعُ وِلَايَةٍ. فَإِذَا ثَبَتَتْ الْأَهْلِيَّةُ لِلْوِلَايَةِ تَثَبَّتَتْ الْأَهْلِيَّةُ لِلشَّهَادَةِ، ثُمَّ الْمَقْبُولُ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ، وَذَلِكَ فِي انْزِجَارِهِ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا فِي دِينِهِ وَالْكَافِرُ مُنْزَجِرٌ عَنْ ذَلِكَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَاسْمُ الْعَدَالَةِ وَالرِّضَاءُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فِي الْمُعْمِلَاتِ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ فَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: ٧٥] وَلَا يُقَالُ إنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ عِنَادًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي الْأَحْبَارِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَوَاطَئُوا عَلَى كِتْمَانِ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُبُوَّتِهِ فَلَا شَهَادَةَ لِأُولَئِكَ عِنْدَنَا. فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ يَعْتَقِدُونَ الْكُفْرَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحَقَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: ٧٨]. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {، وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [البقرة: ١٤٦] وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ فِسْقَهُمْ فِسْقُ اعْتِقَادٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ تُهْمَةُ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَثَرَ الرِّقِّ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْكُفْرِ فِي حُكْمِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ هُمْ يُعَادُونَ الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ فَيَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّقَوِّي عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ ضَرُورَةٌ، وَلِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>