للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ شَهِدْنَا بِإِيمَانِهِ وَمَنْ لَقَيْنَاهُ يَتَخَلَّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ شَهِدْنَا بِأَنَّهُ مُنَافِقٌ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ ذَلِكَ سَهْوًا وَهِيَ لَا تَتِمُّ شَهَادَتُهُ أَجَزْت شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ سَهْوًا لَا يُوجِبُ فِسْقَهُ؛ لِأَنَّ السَّاهِيَ مَعْذُورٌ فِي بَعْضِ الْفَرَائِضِ دُونَهُ أَوْلَى.

وَإِذَا شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ بِحَقٍّ، أَوْ عَلَى قَضَاءِ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الْمُسْلِمِ وَلَا حَاجَةَ إلَى فِعْلِ بَيَانِ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ يَتَيَسَّرُ إثْبَاتُهُ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحُجَّتُنَا فِيهِ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِيمَانُ حَيْثُ قَالَ «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ لَيْسَتْ بِإِلْزَامٍ لِلْغَيْرِ ابْتِدَاءً بَلْ هُوَ الْتِزَامٌ وَالْتِزَامُ الْمُسْلِمِ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ بِإِيمَانِهِ فَبِهَذِهِ الشَّهَادَةِ تَبَيَّنَ الْوَقْتُ وَلَا يَكُونُ الِالْتِزَامُ فِيهَا ابْتِدَاءً.

وَلَوْ شَهِدَ مُسْلِمَانِ عَلَى شَهَادَةِ كَافِرٍ جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِشَهَادَتِهِمَا شَهَادَةُ الْكَافِرِ وَهِيَ دُونَ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فِي يَدِهِ أَمَةٌ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ كَافِرَانِ أَنَّهَا لِكَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ بَهِيمَةٌ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ صَدَقَةٌ، وَهَذَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَقْضِي بِهَا عَلَى الْكَافِرِ خَاصَّةً وَلَا أَقْضِي بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي هَذَا لِلْكَافِرِ فِي الْحَالِ وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ حُجَّةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ بُطْلَانُ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِهَا لِإِنْسَانٍ فَإِنَّ الْمِلْكَ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِقَرَارِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْحُجَّةِ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُقِرِّ دُونَ غَيْرِهِ. فَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْكَافِرِ حُجَّةٌ عَلَى الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ يُسْتَحَقُّ مِنْ الْأَصْلِ؛ فَلِهَذَا يُسْتَحَقُّ بِزَوَائِدِهِ وَيَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْيَمِينِ. وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِلْمُسْلِمِ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ إنَّمَا تَقُومُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي ذَلِكَ كَمَا قِيلَ التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِمِلْكٍ حَادِثٍ بَعْدَ شِرَاءِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمِلْكِ الْحَادِثِ مِنْ سَبَبٍ حَادِثٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>