للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ فِي شَوَّالٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعَقْدَيْنِ مُمْكِنٌ وَالْبَيِّنَاتُ حُجَجٌ فَعِنْدَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا لَا يَجُوزُ إلْغَاءُ أَحَدِهِمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاعَهَا فِي رَمَضَانَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ بَاعَهَا فِي شَوَّالٍ بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَكُونُ الْعَقْدُ الثَّانِي فَاسِخًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَلَوْ عَايَنَا الشِّرَاءَيْنِ كَانَ الشِّرَاءُ الثَّانِي فَاسِخًا لِلْأَوَّلِ وَالدَّارُ لَهُ بِالثَّمَنِ الثَّانِي

وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ فُلَانٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي شَوَّالٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَقَبَضَهَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَعْدَ التَّقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فَهَذَا وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الشِّرَاءِ فِي شَوَّالٍ بِخَمْسِمِائَةٍ سَوَاءٌ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ الثَّانِي فَاسِخًا لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ارْتَهَنَهَا مِنْهُ فِي شَوَّالٍ بِخَمْسِمِائَةٍ أَمْضَيْت الْبَيْعَ بِأَلْفٍ فِي رَمَضَانَ وَقَضَيْت لَهُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ سَوَاءٌ الَّذِي أَثْبَتَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ فِي شَوَّالٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى وَالرَّهْنُ فِي شَوَّالٍ يَنْقُضُ دَعْوَى الْبَائِعِ الْبَيْعَ فِي رَمَضَانَ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ إقْرَارَ الرَّاهِنِ بِالرَّهْنِ مِنْهُ فِي شَوَّالٍ فَكَأَنَّا سَمِعْنَا مِنْهُ هَذَا الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ هُوَ بِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى الْبَيْعِ فِي رَمَضَانَ لِلتَّنَاقُضِ فَالْبَائِعُ لَا يَرْهَنُ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا الْبَيْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْبَدَلَيْنِ وَالرَّهْنُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ يَتَرَجَّحُ الْأَقْوَى وَهُوَ الْبَيْعُ وَكَمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَثْبَتَ إقْرَارَ الرَّهْنِ بِالرَّهْنِ فَالْبَائِعُ أَثْبَتَ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ مِنْهُ فِي رَمَضَانَ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَعْوَى الرَّهْنِ فِي شَوَّالٍ فَلَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي هَذَا رَجَّحْنَا أَقْوَى الْحُجَّتَيْنِ وَهُوَ حُجَّةُ الْبَيْعِ، وَفِي الْكِتَابِ (قَالَ) لَيْسَ الرَّهْنُ كَالْهِبَةِ بِالْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِالْعِوَضِ بَيْعٌ وَالرَّهْنَ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَقَدْ يَرْهَنُك الرَّجُلُ دَارَك وَلَا يَبِيعُك دَارَك وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الرَّهْنَ دُونَ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ نَاقِضًا لِلْبَيْعِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّا لَوْ عَايَنَّا الْعَقْدَيْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ بِالرَّهْنِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ قَدْ يَرْهَنُك دَارَك وَلَوْ عَايَنَّا الْبَيْعَيْنِ انْتَقَضَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي فَبِانْتِقَاضِ الْأَوَّلِ الدَّارُ تَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَبِيعُك دَارَك.

دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ وَكَفَلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ الْمُدَّعِي مَعَهُ فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا قَضَى لَهُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ إنْ شَاءَ لِاسْتِوَاءِ الْحُجَّتَيْنِ فَإِنْ أَخَذَاهَا فَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرِيكَيْنِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الدَّارِ بِشِرَاءٍ يُفْرَدُ هُوَ بِهِ بِلَا شَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ عَايَنَّا الشِّرَاءَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِشَرْطِ الْكَفَالَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>