بَاعَ مِنْ الَّذِي سَلَّمَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ مَجْهُولٌ وَالْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ كَذَلِكَ، وَمَا لَمْ يُبَيِّنْ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ كَذَلِكَ وَمَا لَمْ يُبَيِّنْ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ لَا تَكُونُ شَهَادَتُهُ حُجَّةً، وَلِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ مَنَعُوا تِلْكَ الشَّهَادَةَ حِينَ لَمْ يَعْرِفُوا الْبَائِعَ بِعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَلَا يَعْرِفُونَهُ بِعَيْنِهِ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ لِجَهَالَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا كُلَّهَا بِأَلْفٍ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى ثُلُثَهَا بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَخَذُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَتَفَرَّقَ الصَّفْقَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا أَثْبَتَ شِرَاءَهُمْ فِيهِ فَالْخِيَارُ كَذَلِكَ فَإِنْ أَخَذُوهَا كَانَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ الْمُثَلَّثِ خَاصَّةً وَكَانَ السُّدُسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ نِصْفَيْنِ وَكَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَلَزِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةَ مَا أَخَذَ مِنْ الثَّمَنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَلَى طَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَصْلَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الدَّعْوَى وَجَمَعْنَا فِيهَا نَظَائِرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَضْدَادَهَا فَنَقُولُ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا مُنَازَعَةَ فِي الثُّلُثِ لِمُدَّعِي النِّصْفِ وَمُدَّعِي الثُّلُثَيْنِ وَمُدَّعِي الْجَمِيعِ يَدَّعِي ذَلِكَ فَيُسَلَّمُ لَهُ الثُّلُثُ، ثُمَّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ إلَى تَمَامِ الثُّلُثَيْنِ وَهُوَ السُّدُسُ لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَقَدْ اسْتَوَى فِيهِ حُجَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ وَصَاحِبِ الْجَمِيعِ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَفِي النِّصْفِ اسْتَوَى حُجَّةُ صَاحِبِ الْكُلِّ وَالثُّلُثَيْنِ وَالنِّصْفُ فَيَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَسِهَامُ الدَّارِ فِي الْحَاصِلِ اثْنَيْ عَشَرَ لِحَاجَتِنَا إلَى سُدُسِ يُقْسَمُ نِصْفَيْنِ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ أَخَذَ مَرَّةً أَرْبَعَةً وَمَرَّةً سَهْمًا وَمَرَّةً سَهْمَيْنِ فَإِنَّهُ مَا يُسَلَّمُ لَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا، وَذَلِكَ نِصْفُ الدَّارِ وَنِصْفُ سُدُسِهَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الثَّمَنِ وَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ أَخَذَ مَرَّةً سَهْمًا وَمَرَّةً سَهْمَيْنِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ رُبْعُ الدَّارِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ مَا أَخَذَ إلَّا سَهْمَيْنِ وَهُوَ سُدُسُ الدَّارِ.
فَأَمَّا عِنْدَهُمَا الْقِسْمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ وَأَصْلُ سِهَامِ الدَّارِ سِتَّةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِسِتَّةٍ وَصَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ وَصَاحِبُ النِّصْفِ بِثَلَاثَةٍ فَتَكُونُ جُمْلَةُ هَذِهِ السِّهَامِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَيَقْسِمُ الدَّارَ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَاءِ الْجَمِيعِ وَالْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَاءِ النِّصْفِ وَلِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ سَالِمٌ لَهُ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَنِصْفَ النِّصْفِ الْآخَرِ بِالْمُنَازَعَةِ وَلِصَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute