امْرَأَتَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَعَشْرُ نِسْوَةٍ بِخَمْسَةٍ مِنْ الرِّجَالِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ مِنْ الرِّجَالِ، ثُمَّ رَجَعُوا فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَسْدَاسًا وَدَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ حُكْمَ الشَّهَادَةِ كَحُكْمِ الْمِيرَاثِ، وَفِي الْمِيرَاثِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ يَجْعَلُ كُلَّ اثْنَتَيْنِ كَابْنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجْعَلْ حَالَةَ الِاخْتِلَاطِ كَحَالَةِ انْفِرَادِ الْبَنَاتِ فَعِنْدَ الِانْفِرَادِ لَا يُزَادُ لَهُنَّ عَلَى الثُّلُثَيْنِ، ثُمَّ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يَجْعَلُ كُلَّ اثْنَتَيْنِ كَابْنٍ. فَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَلَى أَدْنَى الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ الْقَضَاءَ. فَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى النِّصَابِ مُعْتَبَرٌ فِي أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِشَهَادَةِ الْكُلِّ فَبِكَثْرَةِ النِّسَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الرَّجُلِ يَزْدَادُ النِّصَابُ، وَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ فَعِنْدَ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ يَقْضِي بِالضَّمَانِ، وَلَوْ رَجَعَ ثَمَانِ نِسْوَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِنَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهَا وَعَلَى الثَّمَانِ رُبُعُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا بَقِيَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَجِبُ الضَّمَانُ بِقَدْرِ مَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا ضَمِنَ التِّسْعُ رُبُعَ الْمَالِ عَلَيْهِنَّ بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنْ رَجَعَتْ الْعَاشِرَةُ فَعَلَيْهَا وَعَلَى التِّسْعِ نِصْفُ الْمَالِ أَمَّا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْمَالِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ نِصْفُ الْمَالِ بِشَهَادَتِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةٌ مِنْ الرِّجَالِ، ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ.
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ بِمَالٍ، ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ شَاهِدَةً فَإِنَّ الْمَرْأَتَيْنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ شَطْرُ الْعِلَّةِ فِي كَوْنِهَا شَاهِدًا وَبِشَطْرِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فَكَانَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ دُونَ الْمَرْأَةِ فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَ الرُّجُوعِ شَيْئًا.
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ نِصْفَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ بَقِيَتْ فِي نِصْفِ الْمَالِ فَقَدْ بَقِيَ امْرَأَتَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ، ثُمَّ هَذَا النِّصْفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا نِصْفَ الْمَالِ مُتَعَيَّنٌ فِي أَنَّهُ ثَابِتٌ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَنِصْفٌ ثَابِتٌ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ نِصْفُ الْمَالِ بِشَهَادَتِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحُجَّةَ انْعَدَمَتْ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ خَاصَّةً فَيَكُون الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَرْأَةِ وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَثْلَاثًا عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا بِشَهَادَةِ الْكُلِّ فَكُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ إذَا ضَمَّتْهَا إلَى الْأُخْرَى كَانَتَا شَاهِدًا فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ مُحَالًا بِهِ عَلَى شَهَادَةِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute