للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِرْهَمٍ، ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مِائَةَ دِرْهَمٍ لِلطَّالِبِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي الثَّوْبِ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ فَهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِلْكَ الثَّوْبِ بِشَهَادَتِهِمَا أَنَّهُ لِلْمَطْلُوبِ فَيَضْمَنَانِ لَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ يَضْمَنَانِ وَلَمْ يَخْرُجْ الثَّوْبُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى هَلَكَ (قُلْنَا) عَيْنُ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَدُهُ فِي ذَلِكَ كَيَدِ الرَّاهِنِ، ثُمَّ أَثْبَتَا بِشَهَادَتِهِمَا يَدَ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي مِقْدَارِ الْمِائَةِ، وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَكَأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ مِائَةً، ثُمَّ رَجَعَا، وَلَوْ كَانَ ذُو الْيَدِ مُقِرًّا بِالثَّوْبِ لِلرَّاهِنِ غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ هُوَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ. وَقَالَ الرَّاهِنُ بَلْ هُوَ رَهْنٌ عِنْدَك وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ فَقَضَى بِهِ، ثُمَّ هَلَكَ، ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا عَلَى ذِي الْيَدِ عَيْنَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَدِّهِ عَلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَالرَّهْنُ لَا يَكُونُ لَازِمًا فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ فَيُجْعَلُ إمْسَاكُهُ الثَّوْبَ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِأَنَّهُ رَهْنٌ عِنْدَهُ رِضًا مِنْهُ بِمَا شَهِدَا عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ شَيْئًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِلْكَهُ فِي الثَّوْبِ هُنَاكَ.

وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ إلَى رَجُلٍ يَجْحَدُ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَرِفَا فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ وَأَمَرَ بِدَفْعِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ وَأَوْجَبَ الْكُرَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَقْبِضَ الْكُرِّ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَا الْمُسَلَّمَ إلَيْهِ الْكُرَّ دَيْنًا فَلَوْ ضَمِنَا لَهُ يَضْمَنَانِ الْعَيْنَ وَالْعَيْنُ فَوْقَ الدَّيْنِ فِي الْمَالِيَّةِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ يَتَقَدَّرُ بِالْمِثْلِ. فَإِذَا قَبَضَهُ مِنْهُمَا فَهُمَا ضَامِنَانِ لِطَعَامِ مِثْلِهِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْعَشَرَةِ حَصَلَ الْإِتْلَافُ فِيهِ بِعِوَضٍ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَتْلَفَاهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِثْلَ الْكُرِّ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا عَوَّضَاهُ مِثْلَ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ يَعْدِلُ الْمُتْلَفَ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتْلِفِ.

وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَكْرَى شِقَّ مَحْمَلٍ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي وَحَمَلَهُ وَقَبَضَ الْأَجْرَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ هُوَ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ ضِعْفَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا الْمَنْفَعَةَ عَلَى رَبِّ الْإِبِلِ وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ يُضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ عِنْدَنَا، وَلَوْ أَتْلَفَاهُ مُبَاشَرَةً بِأَنْ رَكِبَا لَمْ يَضْمَنَا. فَإِذَا أَتْلَفَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْإِبِلِ وَجَحَدَهُ الْمُسْتَأْجِرُ ضَمِنَا لَهُ مِمَّا أَدَّى مَا زَادَ عَلَى أَجْرِ مِثْلِ الْبَعِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَا الْتَزَمَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا مِنْ الْأَجْرِ وَعَوَّضَاهُ مِنْ ذَلِكَ مَنْفَعَةَ الْبَعِيرِ وَالْمَنَافِعُ تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَتَأْخُذُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَتِهِ فَلَا يَضْمَنَانِ مِقْدَارَ مَا أَتْلَفَاهُ بِعِوَضٍ وَيَضْمَنَانِ مَا سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتِهِمَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ وَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا فَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْأَجْرَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الرُّجُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>