الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْمَهْرِ فَالشَّاهِدَانِ لَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْئًا فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَنْكَرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ دُونَ الْعَشَرَةِ
فَأَمَّا إذَا ادَّعَى نُقْصَانًا كَثِيرًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا فَسَّرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَضْمَنَا لَهَا شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَلَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا لِذَلِكَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ يَضْمَنَانِ لَهَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا إنْ صَحَّ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ تَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا أَنْ تَكُونَ مُتْعَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ لَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَمْ تُقِرَّ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَضْمَنَا لَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ إنَّمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا مِلْكَ الْبُضْعِ بِشَهَادَتِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَمَلِّكِ
وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ صَالَحَ مِنْ نَفَقَتِهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ فَقَالَ الزَّوْجُ: صَالَحْتُكِ عَلَى خَمْسَةٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ صَالَحَهَا عَلَى عَشَرَةٍ فَقَضَى بِهَا ثُمَّ رَجَعَا فَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ مِثْلِهَا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي مِقْدَارِ نَفَقَةِ مِثْلِهَا فَالشُّهُودُ مَا أَلْزَمُوا الزَّوْجَ شَيْئًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ضَمِنَا الْفَضْلَ لِلزَّوْجِ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي إنْكَارِهِ الْفَضْلَ عَلَى نَفَقَةِ مِثْلِهَا فَإِنَّمَا أَلْزَمَاهُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِامْرَأَةٍ بِمَهْرٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فَمَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَيْهَا بِالِاسْتِيفَاءِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ دَيْنًا مُسْتَحَقًّا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ تَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مُوجِبُ الضَّمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِمَّنْ فَرَضَ لَهُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ حَيْثُ يَقُولُ إنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ تَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ النِّكَاحِ يَقُولُ لَا تَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ شُهُودُ الِاسْتِيفَاءِ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا أَمْلَيْنَا مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَرَجُلَانِ عَلَى الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدُ الطَّلَاقِ وَأَحَدُ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ضَمِنُوا جَمِيعًا نِصْفَ الْمَهْرِ عَلَى شَاهِدِ الدُّخُولِ مِنْ ذَلِكَ نِصْفُهُ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَزِمَهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَاصَّةً بَقِيَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشَّهَادَةِ فَتَبْقَى الْحُجَّةُ فِي نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ بِبَقَائِهِ فَعَلَى الرَّاجِعِ مِنْهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ وَفِي النِّصْفِ الْبَاقِي يَبْقَى نِصْفُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute