للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونَ الْوَرَثَةُ عَدَدًا فَلَا يَرِثُ هُوَ الْكُلَّ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَلَمْ يَعْرِفُوا الْوَرَثَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ قَدْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ الْمِلْكُ لِفُلَانٍ وَقْتَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الِانْتِقَالَ إلَى وَرَثَتِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي أَنَّكُمْ وَرَثَتُهُ فَهَاتُوا بَيِّنَةَ أَنَّكُمْ وَلَدُهُ وَأَنَّهُ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُكُمْ فَإِذَا أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا قُضِيَ بِهَا لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ يَتَأَنَّى الْقَاضِي فِي ذَلِكَ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ وِرَاثَتَهُمْ قَدْ ثَبَتَتْ وَوُجُودُ مُزَاحِمٍ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ مُحْتَمَلٌ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَأَنَّى لِكَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْخَطَإِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِ قَضَائِهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْكِتَابِ مُدَّةَ التَّأَنِّي وَذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ فِي الشُّهْرَةِ وَالْخُمُولَةِ وَبِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ وَرَثَتِهِ فِي الْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ.

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ التَّقْدِيرَ لِمُدَّةِ التَّأَنِّي الْحَوْلُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إبْلَاءُ الْعُذْرِ فِي حَقِّ وَارِثٍ غَائِبٍ يُمْسِي وَالْحَوْلُ مُدَّةٌ تَامَّةٌ لِإِيلَاءِ الْعُذْرِ قَالَ الْقَائِلُ

إلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدْ اعْتَذَرَ

وَهُوَ نَظِيرُ أَجَلِ الْعِنِّينِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِمَا دَفَعَ إلَيْهِمْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا شَيْءٌ احْتَاطَتْهُ الْقُضَاةُ وَهُوَ ظُلْمٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ لِلْمَيِّتِ غَرِيمًا أَوْ وَارِثًا غَائِبًا فَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْحَاضِرِ كَفِيلًا بِمَا يَدْفَعُ إلَيْهِ؛ يَفُوتُ حَقُّ الْغَائِبِ فَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْغَائِبِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْحَاضِرِ وَهُوَ نَظِيرُ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةُ إذَا دَفَعَهَا الْقَاضِي إلَى رَجُلٍ أَثْبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَاحِبُهَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ عَلَيْهِ صِيَانَةَ قَضَاءِ نَفْسِهِ وَهَذِهِ الصِّيَانَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ حَتَّى إذَا حَضَرَ غَرِيمٌ أَوْ وَارِثٌ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إيصَالُهُ إلَى حَقِّهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ حَقُّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ مَعْلُومٌ وَحَقُّ الْغَائِبِ مَوْهُومٌ وَلَا يُقَابِلُ الْمَوْهُومُ الْمَعْلُومَ فَلَا يُؤَخِّرُ الْقَاضِي تَسْلِيمَ حَقِّهِ إلَيْهِ إلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ أَرَأَيْتَ لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا أَكَانَ يَمْنَعُهُ حَقَّهُ هَذَا ظُلْمٌ مِنْهُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلَ إنَّمَا يَأْخُذُ الْمَجْهُولَ وَالْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ وَلَا يُقَالُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ.

وَلَا يُقَالُ يَأْخُذُهُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَيِّتِ فِي تَسْلِيمِ مَالِهِ إلَى وَارِثِهِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْحَاضِرُ وَرَثَتَهُ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ لِجَدِّهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُ جَدِّهِ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ الْجَدَّ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِابْنِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>