للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفَتْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُمْ عِنْدَهُ أَهْلُ مِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْوِلَايَةُ تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمْ بِاخْتِلَافِ الْمِلَلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا شَهَادَةَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ لِنُقْصَانِ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا مِنْ نُقْصَانِ الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الشَّهَادَاتِ.

وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ: كُنْتُ مُسْلِمًا وَكَانَ أَبِي مُسْلِمًا وَقَالَ الْآخَرُ صَدَقْتَ وَقَدْ كُنْتُ أَيْضًا أَسْلَمْتُ فِي حَيَاتِهِ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَقَالَ أَسْلَمْتَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ الَّذِي اجْتَمَعَا عَلَى إسْلَامِهِ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْآخَرَ فِي حَيَاتِهِ أَقَرَّ بِسَبَبِ حِرْمَانِهِ وَهُوَ كُفْرُهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُزِيلُهُ وَهُوَ إسْلَامُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ حَادِثٌ وَالْحَوَادِثُ إنَّمَا يُحَالُ بِحُدُوثِهَا عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالْحُجَّةِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مَتَى ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا وَادَّعَى أَحَدُهُمَا مَا يُزِيلُهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَمَتَى أَقَرَّ بِسَبَبِ الْحِرْمَانِ ثُمَّ ادَّعَى زَوَالَهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ وَمَنْ ادَّعَى الِاسْتِحْقَاقَ وَسَبَبُ الْحِرْمَانِ فِيهِ قَائِمٌ فِي الْحَالِ لَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ كَمَنْ جَاءَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ يَطْلُبُ مِيرَاثَ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَحْرِمُهُ الْإِرْثَ وَهُوَ الرِّدَّةُ قَائِمَةٌ فِيهِ فِي الْحَالِ فَمَتَى وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي بِحُكْمِ الْحَالِ كَالْمُسْتَأْجِرِ مَعَ صَاحِبِ الرَّحَا إذَا تَنَازَعَا فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِلْحَالِ جَارِيًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ جَارِيًا فِيمَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ لِلْحَالِ مُنْقَطِعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ مُنْقَطِعًا فِيمَا مَضَى.

فَإِنْ (قِيلَ) فَإِذَا كَانَ الِابْنُ مُسْلِمًا فِي الْحَالِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مُسْلِمًا فِيمَا مَضَى حَتَّى يَرِثَ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ (قُلْنَا) هَذَا ظَاهِرٌ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ كُفْرُهُ فِيمَا مَضَى فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يَظْهَرَ إسْلَامُهُ ثُمَّ مُوَافَقَتُهُ إيَّاهُ فِي الدِّينِ عِنْدَ الْمَوْتِ شَرْطٌ لِلْإِرْثِ وَالشَّرْطُ لَا يَثْبُتُ بِالظَّاهِرِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَثْبُتُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِإِثْبَاتِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ ذَا الْيَدِ يَسْتَحِقُّ الْمِلْكَ لِمَا فِي يَدِهِ بِالظَّاهِرِ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ الزَّوَائِدُ الَّتِي فِي يَدِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْعِتْقِ وَالْمِيرَاثِ الَّذِي اجْتَمَعَا عَلَى عِتْقِهِ فِي حَيَاةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْآخَرِ بَعْدَ ثُبُوتِ رِقِّهِ حَادِثٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ دَارٌ فِي يَدِ ذِمِّيٍّ أَقَامَ مُسْلِمٌ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَةً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَقَامَ مَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى ذِي الْيَدِ وَعَلَى خَصْمِهِ الذِّمِّيِّ وَأَقَامَ الذِّمِّيُّ مَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى ذِي الْيَدِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>