للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ مِنْ أَمَتِهِ هَذِهِ فَإِنِّي أَقْضِي بِالْوَلَدِ لِلزَّوْجِ، وَأُثْبِتُ نَسَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ، وَفِرَاشُ النِّكَاحِ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ النَّسَبَ الَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ لَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ حِينَ ادَّعَى نَسَبَهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهَا بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ بِسَبَبٍ هُوَ مُحْتَمَلٌ فِي نَفْسِهِ فَيَثْبُتُ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ حَتَّى إذْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِإِقْرَارِهِ فِي إبْطَالِ مَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ النَّسَبُ فَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُجْعَلُ هُوَ كَالْمُقِرِّ بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِأَحَدٍ

قَالَ حُرَّةٌ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَكَبُرَا وَاكْتَسَبَا مَالًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ، ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، وَأَنَّهُمَا ابْنَاهُ مِنْهَا، وَأَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِي كَبِيرٌ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ بِدَعْوَاهُ إلَّا عِنْدَ تَصْدِيقِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا ابْنَاهُ قَائِمَانِ مَقَامَهُ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِدَعْوَاهُ إلَّا بِتَصْدِيقِهِمَا، وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهَا فَيُشْرِكُهَا فِي نَصِيبِهَا مِنْ مِيرَاثِ ابْنِهَا؛ لِأَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ، وَأَبَوَيْنِ فَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَالْبَاقِي لِلِابْنَيْنِ فَقَدْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ حَقَّ الْأَبِ وَحَقَّهَا فِي تَرِكَتِهِ سَوَاءٌ فَيُقْسَمُ مَا فِي يَدِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ فِي الْمِيرَاثِ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ ثُبُوتُ النَّسَبِ فَإِنَّ الْمَالَ يُسْتَحَقُّ بِأَسْبَابٍ، وَأَصْلُهُ فِي أَحَدِ الْأَخَوَيْنِ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ ثَالِثٍ فَإِنْ أَقَرَّ الِابْنُ الثَّانِي بِذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا جَمِيعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْمُقِرِّ قَدْ ثَبَتَ بِتَصْدِيقِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْآخَرِ فَإِنَّهُمَا تَوْأَمٌ، وَإِنْ أَقَرَّ ابْنُ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمَيِّتِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ، وَهُوَ فِي حَيَاتِهِ لَوْ صُدِّقَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا صَدَّقَهُ مَنْ يَخْلُفُهُ

قَالَ أَمَةٌ وَلَدَتْ غُلَامًا فَأَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زَوْجٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مَعْرُوفٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَقَرُّ لَهُ أَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا، ثُمَّ ادَّعَى الْمَوْلَى أَنَّهُ ابْنُهُ عَتَقَ بِدَعْوَاهُ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْ الْمَقَرِّ لَهُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ وَعِنْدَ التَّصْدِيقِ غَيْرُ مُشْكِلٍ، وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى حَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقَرُّ لَهُ حَاضِرًا فَكَذَّبَهُ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ قَدْ بَطَلَ بِتَكْذِيبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>