قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً سَافَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَنَوَى هُوَ أَنْ يُقِيمَ فِي مَوْضِعٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَعَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعًا، وَإِنْ لَمْ تَنْوِ الْإِقَامَةَ.
وَلَوْ أَنَّهَا نَوَتْ الْإِقَامَةَ دُونَ الزَّوْجِ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦]. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤]، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ تَغَيُّرُ النِّيَّةِ مِمَّنْ هُوَ أَصْلٌ دُونَ مَنْ هُوَ تَبَعٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هَذَا إذَا كَانَتْ قَدْ اسْتَوْفَتْ صَدَاقَهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ اسْتَوْفَتْ صَدَاقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ فَإِنَّهَا تَعْتَبِرُ نِيَّتَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ فَلَا تَخْرُجُ مَعَ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْحَبْسِ لَهَا لِاسْتِيفَاءِ الصَّدَاقِ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فَمَا لَمْ تَحْبِسْ كَانَتْ تَابِعَةً لِزَوْجِهَا، وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا نَوَتْ الْإِقَامَةَ أَوْ السَّفَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ قَصَدَتْ حَبْسَ نَفْسِهَا عَنْ زَوْجِهَا وَعَلَى هَذَا حُكْمُ كُلِّ تَبَعٍ مَعَ أَصْلِهِ كَالْعَبْدِ مَعَ سَيِّدِهِ وَالْأَجِيرِ لِلْخِدْمَةِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْجُنْدِيِّ مَعَ السُّلْطَانِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ مِمَّنْ هُوَ أَصْلٌ دُونَ التَّبَعِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ خَلَّى بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَبَيْنَ النِّيَّةِ الْآنَ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا أَصْلَيْنِ بِهَذِهِ التَّخْلِيَةِ مَا لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ، وَالسَّيِّدُ عَنْهَا
(قَالَ): كُوفِيٌّ خَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْحِيرَةِ تَوَضَّأَ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ رَعَفَ فَنَوَى الرُّجُوعَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ أَصَابَ الْمَاءَ فِي مَكَانِهِ فَتَوَضَّأَ صَلَّى أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ فِي فِنَاءِ وَطَنِهِ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِسَفَرِهِ وَالْتَحَقَ بِالْمُقِيمِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا بِنِيَّتِهِ الْأُولَى فِي هَذَا الْمَكَانِ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا مَا لَمْ يَرْتَحِلْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَكِنْ قِيلَ لَهُ: إنَّ أَمَامَك مَاءً عَلَى رَأْسِ غَلْوَةٍ فَمَشَى إلَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِنِيَّتِهِ الْأُولَى وَلِأَنَّهُ بِالتَّوَجُّهِ أَمَامَهُ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا بَعْدَمَا صَارَ مُقِيمًا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ عَمَلٌ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ تَمْنَعُهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ عَمَلٍ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ تَرْكٌ لِلسَّفَرِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُ مِنْهُ فَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَمَا مَشَى أَمَامَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُنْشِئٌ لِلسَّفَرِ بِمَشْيِهِ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ
وَلَوْ أَنَّ خُرَاسَانِيًّا أَوَطَنَ الْكُوفَةَ سَنَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِهَا، وَهَذَا وَطَنٌ مُسْتَعَارٌ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ فَعَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ بَنَى هَذِهِ الْمَسَائِلَ فَقَالَ: إنْ خَرَجَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute