للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا فَبِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ يَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ أَيْضًا وَيَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَبِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ اسْتَحَقَّ سَلَامَتَهَا لَهُ سَلِيمَةً عَنْ الْعَيْبِ، وَلَا عَيْبَ فَوْقَ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا يَغْرَمُ بِهَذَا السَّبَبِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ كَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ لَزِمَهُ بِسَبَبِ فَوْتِ السَّلَامَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ بِالْعَقْدِ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا لَزِمَهُ الْعُقْرُ عِوَضًا عَمَّا اسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فَلَوْ رَجَعَ بِهِ سَلَّمَ الْمُسْتَوْفَى لَهُ مَجَّانًا وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَاطِئِ مَجَّانًا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ، وَالْمُتَصَدِّقِ وَالْوَصِيِّ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْأَوْلَادِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْغُرُورُ قَدْ تَحَقَّقَ مِنْهُ بِإِيجَابِهِ الْمِلْكَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ وَاخْتَارَ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ: مُجَرَّدُ الْغُرُورِ لَا يَكْفِي لِإِثْبَاتِ حَقِّ الرُّجُوعِ فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ إنْسَانًا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ آمِنٌ وَسَلَكَ فِيهِ فَأَخَذَ اللُّصُوصُ مَتَاعَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُخْبِرِ، وَإِنَّمَا ثُبُوتُ حَقِّ الرُّجُوعِ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ السَّلَامَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِهِ، فَأَمَّا بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ لَا تَصِيرُ صِفَةَ السَّلَامَةِ مُسْتَحَقَّةً بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ بِقِيمَةِ الْأَوْلَادِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ عَقْدَ التَّبَرُّعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لِلْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ؛ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ

قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى بَائِعِهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ وَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى بَائِعِهِ.

حُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ الْمِلْكَ فِيهَا لِلْغَيْرِ فَيُجْعَلُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى مَنْ أَوْجَبَ لَهُ الْمِلْكَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيلَادِهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُفَوِّتُ صِفَةَ السَّلَامَةِ الَّذِي صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ، وَهَذَا كَمَا تَقَرَّرَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَقَدْ تَقَرَّرَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَالْبَائِعِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي لَوْ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهِ فَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ أَنْشَأَ بِإِيجَابِهِ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ بِالْبَيْعِ فَرُجُوعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِمَا أَنْشَأَهُ مِنْ الْغُرُورِ لَا بِالْغُرُورِ الَّذِي سَبَقَ مِنْ الْبَائِعِ فَصَارَ مَا أَنْشَأَهُ مِنْ الْغُرُورِ نَاسِخًا لِغُرُورِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَأَلْقَى إنْسَانٌ غَيْرَهُ فِيهِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُلْقِي، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْحَافِرِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>