وَسَجَدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَالسَّجْدَةُ الثَّالِثَةُ لَا تَكُونُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تَتَقَيَّدُ بِالسَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ صَارَتْ السَّجْدَةُ الْمَتْرُوكَةُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ حِينَ صَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَةً تَامَّةً فَلَا تَتَأَدَّى بِدُونِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْكَعْ فِي الثَّانِيَةِ حَتَّى سَجَدَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ تِلْكَ السَّجْدَةِ لَمْ يَفُتْ وَلَمْ يَأْتِ مَحَلُّ الثَّانِيَةِ.
فَلَوْ سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى صَلَّى الثَّانِيَةَ، وَقَامَ سَاهِيًا قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَسَجَدَ تِلْكَ السَّجْدَةَ لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَهَا وَلَكِنَّهُ يَقُومُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى تِلْكَ السَّجْدَةَ فَقَدْ الْتَحَقَتْ بِمَحَلِّهَا، وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَيَبْقَى هُوَ فِي حُكْمِ الْقَائِمِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَلَا يَعُودُ لِلْقَعْدَةِ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْ الثَّانِيَةِ أَيْضًا سَجْدَةً - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ الْأُولَى تَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ تَلْتَحِقُ بِمَحَلِّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا أَوَانُ الْقَعْدَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ بَعْدُ إذْ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَهَا رَكْعَةً وَكَانَتْ مُؤَدَّاةً فِي مَحِلِّهَا وَارْتَفَضَ مَا أَدَّى مِنْ الْقِيَامِ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ إلَى الثَّالِثَةِ فَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ تَشَهَّدَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ؛ لِأَنَّ بِالْعَوْدِ إلَى السَّجْدَةِ الْمَتْرُوكَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ انْتَقَضَ تَشَهُّدُهُ كَمَا انْتَقَضَ قِيَامُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَعْرُوفَةَ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهِيَ الْخَمْسُ إمَامِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ أَجَابَ هُنَا فِي الْمَسْبُوقِينَ أَنَّ الْإِمَامَ الْخَامِسَ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ الْأُولَى وَيَسْجُدُ مَعَهُ جَمِيعُ الْقَوْمِ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَقُولُ: لَا يَسْجُدُ مَعَهُ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنَّمَا بَقِيَ لَهُ هَذِهِ السَّجْدَةُ مِنْهَا فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ بِسَجْدَتَيْهَا فَلَا يُتَابِعُونَهُ فِيهَا، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ: عَلَى الْمَسْبُوقِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ يَقْضِي ذَلِكَ إذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ وَاقْتَدَى بِهِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي السَّجْدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ يَسْجُدُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ
وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي وَسَطِ السُّورَةِ ثُمَّ أَتَمَّ السُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ بَعْدُ، وَسَجَدَ يَنْوِي التِّلَاوَةَ فَإِنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ تَكُونُ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ وَلَا تَكُونُ مِنْ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ فَلَا تُؤَدَّى بِغَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَكَعَ وَسَجَدَ فِي مَوْضِعِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْعَيْنِ فَتُجْعَلُ مُؤَدَّاةً بِغَيْرِهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَمَّا يَلْزَمُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ.
وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ بَعْدَ مَا تَحَوَّلَتْ السُّنَّةُ خَرَجَ، وَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ هَذَا عَمَّا يَلْزَمُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الدَّيْن ثُمَّ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute