عِنْدَهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْقُرْبَ مِنْ يَدِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْأَمَانَةِ وَمِنْ ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ بَقِيَ لَفْظَانِ أَحَدُهُمَا لِلْأَمَانَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ بِضَاعَةٌ وَالْآخَرُ لِلدَّيْنِ خَاصَّةً، وَهُوَ الْقَرْضُ وَمَتَى جُمِعَ بَيْنَ لَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْأَمَانَةَ وَالْآخَرُ الدَّيْنَ يَتَرَجَّحُ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ دَيْنًا يَعْتَرِضُ عَلَى كَوْنِهِ أَمَانَةً فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا اسْتَهْلَكَ أَوْ خَالَفَ وَاسْتَقْرَضَ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَالْأَمَانَةُ لَا تُطْرِي عَلَى الدَّيْنِ فَإِنَّ مَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَصِيرُ أَمَانَةً عِنْدَهُ بِحَالٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَا يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مِائَةٌ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ خَاصَّةٌ لِلْإِخْبَارِ وَاسْتِحْقَاقِهِ " مِنْ "، وَإِنَّمَا يَعْلُوهُ إذَا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَضَائِهِ لِيَخْرُجَ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَبْلُ فَهُوَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَارَةٌ عَنْ اللُّزُومِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الصَّكَّ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ الدَّيْنِ يُسَمَّى مَالًا وَأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى بِهِ قَبِيلًا لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: عِنْدِي فَهَذَا إقْرَارٌ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحْتَمَلًا كَمَا بَيَّنَّا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْأَقَلُّ، وَهُوَ الْوَدِيعَةُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَعِي أَوْ فِي يَدِي أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ كِيسِي أَوْ صُنْدُوقِي فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ إنَّمَا تَكُونُ مُحْتَمَلًا لِلْعَيْنِ لَا لِلدَّيْنِ فَإِنَّ الدَّيْنَ مَحِلُّهُ الذِّمَّةُ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي مَالِي مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ لَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا أَدَّى، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنْ كَانَ مَالُهُ مَحْصُورًا فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِالشَّرِكَةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ مَحْصُورًا فَهُوَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ ظَرْفًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ، فَقَدْ خَلَطَهُ بِمَالٍ كَانَ مُسْتَهْلِكًا لَهُ فَكَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْهُ فَقَوْلُهُ فِي مَالِي بَيَانُ أَنَّ مَحَلَّ قَضَاءِ مَا أَقَرَّ بِهِ مَالُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَالُهُ مَحِلًّا لِقَضَاءِ مَا هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ مَحْصُورًا أَوْ غَيْرَ مَحْصُورٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُضَافُ إلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ خَاصَّةً فَلَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي مَالِي إلَّا عَلَى بَيَانِ مَحَلِّ الْقَضَاءِ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ مِنْ دَرَاهِمِي هَذِهِ دِرْهَمٌ فَهَذِهِ هِبَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ بَعْضَ مَالِهِ كَلَامُهُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِنْشَاءِ الْهِبَةِ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْقِسْمَةِ.
وَإِنْ قَالَ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا فَهَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ تَأْخِيرُ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ أَوَّلِهِ لَيْسَ الْهِبَةَ فَأَخْبَرَ بِانْتِهَاءِ حَقِّهِ عَنْهُ وَلَا يَنْتَفِي حَقُّهُ عَنْ الْمَوْهُوبِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ فَعَرَفْنَا بِآخِرِ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ أَوَّلِهِ الْإِقْرَارُ وَأَنَّ مِنْ لِلتَّمَيُّزِ لَا لِلتَّبْعِيضِ فَجَعَلَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مُمَيَّزًا مِنْ مَالِهِ بِإِقْرَارِهِ لِفُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهِ.
وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ قَرْضٌ أَوْ مُضَارَبَةُ قَرْضٍ فَهُوَ قَرْضٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَدِيعَةَ وَالْمُضَارَبَةَ قَدْ تَنْقَلِبُ قَرْضًا، فَأَمَّا الْقَرْضُ لَا يَنْقَلِبُ وَدِيعَةً وَلَا مُضَارَبَةً.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي أَلْفُ دِرْهَمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute