فَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ إلَيْهِ فَقَدَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يُجَاوِزَ الصُّفُوفَ فَقُلْنَا بِأَنَّ اسْتِخْلَافَهُ يَكُونُ صَحِيحًا، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِمَامَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الِاسْتِخْلَافِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِصَلَاةِ الْقَوْمِ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ.
وَتَحْقِيقُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ مِنْ أَوَّلِ الصُّفُوفِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لِخُلُوِّ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ وَهُوَ الْمِحْرَابُ عَنْ الْإِمَامِ وَلَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ مَا دَامَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَسْجِدِ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ؛ وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ وَقَفَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بِالْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا ذَلِكَ فِي حُكْمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ مَلْآنًا لَا يَجْعَلُ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِالْإِمَامِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الِاسْتِخْلَافِ لَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي الصَّحْرَاءِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمْكِنَةَ قَبْلَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فِيهَا لَمْ تَكُنْ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا صَارَتْ كَذَلِكَ بِاتِّصَالِ الصُّفُوفِ فَالْمَوَاضِعُ الَّتِي فِيهَا الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ، وَهَهُنَا الْمَسْجِدُ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ بِدُونِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدُ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ كَانَ اسْتِخْلَافُهُ صَحِيحًا فَلَمَّا كَانَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى تَصْحِيحِ صَلَاتِهِمْ يُعْتَبَرُ الْمَسْجِدُ هَهُنَا وَلَا يُعْتَبَرُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى فَسَادِ صَلَاتِهِمْ
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى رَكْعَةً وَهُوَ إمَامٌ وَلَيْسَ خَلْفَهُ أَحَدٌ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ، وَاقْتَدَوْا بِهِ وَأَحْدَثَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَدَّمَهُ، وَقَدْ كَانَ سَهَا قَالَ يُتِمُّ هَذَا بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ فَيَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ وُحْدَانًا؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ فِي ذَلِكَ فَإِذَا فَرَغُوا سَجَدُوا لِلسَّهْوِ وَلَا يَسْجُدُونَ عِنْدَ إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَيْسَ هُنَا مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ فَلِهَذَا لَا يَسْجُدُونَ لِلسَّهْوِ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِمْ فَإِذَا سَلَّمُوا سَجَدُوا لِلسَّهْوِ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْبُوقِ إذَا لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا فَهَذَا مِثْلُهُ
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً ثُمَّ رَعَفَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ، وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ صَلَّى هَذَا فِي مَنْزِلِهِ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا تَرْكُ الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute