لَهُ بِكَرْمٍ فِي أَرْضٍ كَانَ لَهُ الْكَرْمُ بِأَرْضِهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكَرْمِ يَجْمَعُ الشَّجَرَ وَالْأَرْضَ عَادَةً وَمُطْلَقُ اللَّفْظِ فِي الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَمَا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ عَادَةً فَهُوَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالْبُسْتَانِ كَانَ لَهُ الشَّجَرُ وَالْأَرْضُ وَالنَّخْلُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبُسْتَانِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَجْمَعُ الْكُلَّ فَأَصْلُ الِاسْمِ لِلْأَرْضِ وَالْأَشْجَارِ وَالنَّخِيلِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ فَيَكُونُ الِاسْمُ جَامِعًا لِلْكُلِّ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا النَّخِيلَ لِفُلَانٍ فَأَرَادَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ النَّخْلُ بِأُصُولِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الطَّرِيقَ وَلَا مَا بَيْنَ النَّخِيلِ مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ النَّخِيلَ اسْمٌ لِلشَّجَرِ، وَلَكِنْ لَا يُسَمَّى نَخْلًا إلَّا، وَهُوَ ثَابِتٌ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقَلْعِ فَيُسَمَّى جُذُوعًا فَدُخُولُ مَوْضِعِهِ مِنْ الْأَرْضِ لِضَرُورَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى اسْمِ النَّخْلِ فِي إقْرَارِهِ، وَهُوَ لَا يُعَدُّ وَمَوْضِعُ أُصُولِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الطَّرِيقِ وَلَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَنَى هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى مَعْنَى كَلَامِ النَّاسِ وَمَا يُطْلِقُونَهُ فِي عِبَارَاتِهِمْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.
وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأُصُولِ عَشَرَةٍ مِنْ هَذَا الْكَرْمِ مَعْرُوفَةٍ كَانَ لَهُ تِلْكَ الْعَشَرَةُ بِأُصُولِهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ مَا بَيْنَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ وَالْكَرْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَالنَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَرَّ لَهُ بِالْكَرْمِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِأَشْجَارٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْهَا فَتَدْخُلُ أُصُولُهَا لِدَلَالَةِ لَفْظِهِ وَلَا يَدْخُلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِ.
وَلَوْ قَالَ: بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ كَانَ لَهُ الْبِنَاءُ دُونَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي لَفْظِهِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْأَرْضُ لَيْسَتْ مِنْ الْبِنَاءِ فِي شَيْءٍ بِخِلَافِ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالنَّخْلِ، فَقَالَ: النَّخْلُ يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ اسْمَ الْبِنَاءِ يَثْبُتُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَذَلِكَ فِيمَا ارْتَفَعَ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ لَا فِي الْأَرْضِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْضِ بِذِكْرِ الْبِنَاءِ، فَأَمَّا اسْمُ النَّخْلِ فَلَا يَحْدُثُ بِفِعْلِ الْعِبَادِ بَلْ بِالنَّبَاتِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُسَمَّى نَخْلًا إلَّا، وَهُوَ نَابِتٌ فَلِهَذَا اسْتَحَقَّ بِتَسْمِيَةِ النَّخْلِ مَوْضِعَهُ مِنْ الْأَرْضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ بِنَاءُ هَذَا الْحَائِطِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْضَ لِمَا قُلْنَا.
وَإِذَا أَقَرَّ لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ دَارِهِ يَصِحُّ، وَبَيَانُ الْمِقْدَارِ إلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ إقْرَارِهِ يَحْتَمِلُ الْكَثِيرَ وَالْقَلِيلَ فَالْجُزْءُ مِنْ الْجُزْأَيْنِ يَكُونُ نِصْفًا وَمِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ يَكُونُ عُشْرًا فَكَانَ بَيَانُهُ مُقَرِّرًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ لَا مُغَيِّرًا فَصَحَّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا. وَكَذَلِكَ النِّصْفُ وَالنَّصِيبُ وَالْحَقُّ وَالطَّائِفَةُ، الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْمُقِرِّ وَيُقْبَلُ بَيَانُهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلَفْظٍ عَنْ ظَاهِرِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ إذَا نَوَى الزَّوْجُ بِهَا شَيْئًا انْصَرَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute