قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَلْفِ إلَى الْخَمْسِمِائَةِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِيضٍ لَا بَلْ سُودٍ أَوْ قَالَ: سُودٌ لَا بَلْ بِيضٌ أَوْ قَالَ: جَيِّدٌ لَا بَلْ رَدِيءٌ أَوْ رَدِيءٌ لَا بَلْ جَيِّدٌ فَعَلَيْهِ أَفْضَلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ وَمِثْلُ هَذَا الْغَلَطِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَقَعُ فَاسْتِدْرَاكُهُ بِالْتِزَامِ زِيَادَةِ الْوَصْفِ صَحِيحٌ وَرُجُوعُهُ عَنْ وَصْفِ الْتِزَامِهِ بَاطِلٌ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِينَارٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ وَالْغَلَطُ لَا يَقَعُ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ عَادَةً فَرُجُوعُهُ عَنْ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ وَالْتِزَامُهُ الثَّانِيَ صَحِيحٌ وَمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا قَدْ تَنَاوَلَهُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ بِصِفَتِهِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ إلْحَاقُ الْوَصْفِ بِالْأَصْلِ وَهُنَا الْمُرَادُ الْتِزَامُ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ لَا بَلْ شَعِيرٍ فَعَلَيْهِ الْكُرَّانِ جَمِيعًا، وَإِنْ قَالَ: قَفِيزُ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ لَا بَلْ رَدِيءٌ أَوْ رَدِيءٌ لَا بَلْ جَيِّدٌ فَهُوَ قَفِيزٌ جَيِّدٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَحْتُومٌ مِنْ دَقَلٍ لَا بَلْ فَارِسِيٍّ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَحْتُومُ دَقِيقٍ رَدِيءٍ لَا بَلْ حَوَارِيٍّ فَهُوَ حَوَارِيٌّ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ، وَذَكَرَ الْكَلَامَ الثَّانِيَ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِالْتِزَامِ زِيَادَةِ وَصْفٍ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ رَطْلٌ مِنْ بَنَفْسَجٍ لَا بَلْ حَبْرِيٍّ لَزِمَاهُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ رَطْلٌ مِنْ سَمْنِ الْغَنَمِ لَا بَلْ مِنْ سَمْنِ الْبَقَرِ فَعَلَيْهِ الرَّطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ وَإِقَامَةُ الثَّانِي مَقَامَهُ فِي الْإِقْرَارِ لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الثَّانِي مُكَاتَبًا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ أَوْ عَبْدًا تَاجِرًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَدْيُونِ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَتَحَقَّقَ إقْرَارُهُ بِشَخْصَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَفِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ مُجَرَّدُ مُطَالَبَةٍ فِي الْحَالِ، وَفِيمَا لِلْعَبْدِ هُوَ الْمُطَالَبُ دُونَ الْمَوْلَى فَكَانَ إقْرَارُهُ بِشَخْصَيْنِ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَلْفٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ فَفِي قَوْلِهِ لَا بَلْ لِعَبْدِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِلْمَوْلَى، وَلَكِنَّهُ يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ كَلَامِهِ فِي أَنَّ لِعَبْدِهِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَالٌ وَاحِدٌ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ بَاعَنِيهَا لَا بَلْ فُلَانٌ بَاعَنِيهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ أَنَّ مُبَايَعَةَ الثَّانِي مَعَهُ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْمُكَاتَبَةِ لِلنِّيَابَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ هُوَ رَاجِعًا عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute