الْقَوْمَ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَتَتَأَدَّى بِأَدَاءِ الْإِمَامِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَالْإِمَامُ الَّذِي صَلَّى قَاعِدًا عَلَيْهَا كَانَ مَرِيضًا فَجَازَتْ صَلَاتُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ تَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ هُوَ الْوَلِيُّ وَلَيْسَ لِلْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّ جِنَازَةً تَشَاجَرَ فِيهَا قَوْمٌ أَيُّهُمْ يُصَلِّي عَلَيْهَا فَوَثَبَ رَجُلٌ غَرِيبٌ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَصَلَّى مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ، وَإِنْ أَحَبَّ الْأَوْلِيَاءُ أَعَادُوا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَلَّى غَيْرُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْمَكْتُوبَةَ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ حَقُّ الْإِعَادَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى فِيهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ حَقُّ الْإِعَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ حِينَ افْتَتَحَ الرَّجُلُ الْغَرِيبُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ اقْتَدَى بِهِ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَيْسَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَقُّ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي اقْتَدَى بِهِ رَضِيَ بِإِمَامَتِهِ فَكَأَنَّهُ قَدَّمَهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ مُتَكَامِلَةٌ فَإِذَا سَقَطَ بِأَدَاءِ أَحَدِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ حَقُّ الْإِعَادَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ جَوَازَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ، زَادَ هَهُنَا فَقَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ هُوَ بِنَفْسِهِ الْإِمَامُ وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْمِصْرِ قَالَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَجُوزُ فِي حَالِّ عَدَمِ الْمَاءِ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلَا يَكُونُ طَهَارَةً إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ خَوْفُ الْفَوْتِ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ الَّذِي يَكُونُ حَقُّ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَظِرُونَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلُوا كَانَ لَهُ حَقُّ إعَادَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا يُجْزِيه الْأَدَاءُ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا فَاجَأَتْكَ جِنَازَةٌ وَأَنْتَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَتَيَمَّمْ وَصَلِّ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَوْمُ فَإِنَّهُ عِنْدَ كَثْرَةِ الزِّحَامِ رُبَّمَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ إذَا ذَهَبَ إلَى مَوْضِعِ الْمَاءِ لِيَتَوَضَّأَ أَوْ لَا يَنْتَظِرُهُ النَّاسُ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهَا وَيَدْفِنُونَ الْمَيِّتَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ هُوَ مِنْ الطَّهَارَةِ وَلَوْ انْتَظَرَهُ النَّاسُ رُبَّمَا يَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي ذَلِكَ فَلِدَفْعِ الْحَرَجِ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَدَاءَ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّمَا التَّيَمُّمُ إنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً لِدَفْعِ الْحَرَجِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: ٦] الْآيَةَ وَفِيهِ مَعْنًى آخَرَ فِي حَقِّ الْقَوْمِ وَهُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ دُعَاءٌ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْكَانُ الصَّلَاةِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالطَّهَارَةُ شَرْطُ صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute