للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ صَدَّقَهُ فِي إقْرَارِهِ وَكَذَّبَهُ فِي دَعْوَاهُ فَيَثْبُتُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَيَكُونُ عَلَى صَاحِبِهِ الْيَمِينُ فِي إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْجِهَةِ لَا يُوجِبُ تَكْذِيبَهُ فِي أَصْلِ الْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضًا، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ هِيَ غَصْبٌ يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ انْتِفَاءِ الْمُفَاوَضَةِ بِتَكْذِيبِهِ انْتِفَاءُ الشَّرِكَةِ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

وَإِذَا أَقَرَّ لِصَبِيٍّ لَا يَتَكَلَّمُ بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ وَصَدَّقَهُ أَبُوهُ كَانَ مَا فِي يَدِ الرَّجُلِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ التَّصْدِيقُ مِنْ أَبِيهِ، وَلَكِنْ لَا يَكُونَانِ مُتَفَاوِضَيْنِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّصَرُّفِ.

وَإِذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ شَرِيكُ فُلَانٍ فِي قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، فَقَالَ فُلَانٌ نَعَمْ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الشَّرِكَةِ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا جَعَلْنَا مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِمَا حِينَ لَمْ يُصَرِّحَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمَا لَوْ أَنْشَآ عَقْدَ الشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ بَيْنَهُمَا لَا تَكُونُ مُفَاوَضَةً إلَّا أَنْ يُصَرِّحَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَوَامَّ مِنْ النَّاسِ قَلَّمَا يَعْرِفُونَ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْمُفَاوَضَةِ لِيَذْكُرُوا ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ فَأَقَامَ الشَّرْعُ التَّنْصِيصَ مِنْهُمَا عَلَى لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ مَقَامَ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا كَانَ عَقْدُ الْإِنْشَاءِ لَا يُثْبِتُ الْمُفَاوَضَةَ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ بِلَفْظِهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِقْرَارِ.

وَلَوْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي التِّجَارَاتِ كَانَ مَا فِي يَدِهِمَا مِنْ مَتَاعِ التِّجَارَةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَسْكَنٌ وَلَا كِسْوَةٌ وَلَا طَعَامٌ؛ لِأَنَّ التَّصَادُقَ مِنْهُمَا كَانَ مُقَيَّدًا بِمَالِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَقَدْ تَصَادَقَا هُنَاكَ فِي الشَّرِكَةِ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الدَّارَ وَالْخَادِمَ وَغَيْرَهُمَا.

وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِمَا دَارٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ تِجَارَتِنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَمَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التِّجَارَةِ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّ التَّصَادُقَ مِنْهُمَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا بِصِفَةِ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا حَصَلَ خَاصًّا فِي مَتَاعِ التِّجَارَةِ، وَالسَّبَبُ مَتَى كَانَ مُقَيَّدًا بِوَصْفٍ لَا يَكُونُ مُوجِبًا بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ التِّجَارَةِ لَا يَتَحَقَّقُ سَبَبُ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ ذِي الْيَدِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ هَذَا مَالٌ فِي يَدِي مِنْ غَيْرِ الشَّرِكَةِ أَصَبْتُهُ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ جَائِزَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ لِإِنْسَانٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقُومَ لِلْآخَرِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ مِنْ الشَّرِكَةِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>