فِيهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ جَمِيعُ مَا فِي يَدِي بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ إقْرَارَهُ تَقَيَّدَ بِمَحَلٍّ خَاصٍّ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْحَانُوتِ وَقْتَ إقْرَارِهِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ هَذَا الْقَيْدُ بِالْحُجَّةِ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي الْحَانُوتِ فِي الْحَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْحَانُوتِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ.
وَلَوْ قَالَ: فُلَانٌ شَرِيكِي فِي كُلِّ تِجَارَةٍ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ فُلَانٌ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَفِي يَدِهِ مَالٌ، فَقَالَ وَرَثَتُهُ هَذَا مَالٌ اسْتَفَادَهُ مِنْ غَيْرِ الشَّرِكَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَلَوْ قَالَ: هُوَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِمَالٍ فِي يَدِهِ إنَّهُ حَادِثٌ فِي يَدِي مِنْ غَيْرِ الشَّرِكَةِ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَ أَقَرُّوا أَنَّهُ مِنْ التِّجَارَةِ فَهُوَ مِنْ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ بِهَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَإِقْرَارِهِ بِهِ فِي حَيَاتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ صَكٌّ بِاسْمِهِ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ تَارِيخُهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ بِالشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالشَّرِكَةِ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ الصَّكِّ بَعْدَ الشَّرِكَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْتَبُ فِي الصَّكِّ تَارِيخُ وُجُوبِ الدَّيْنِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إنْ كَانَ هَذَا دَيْنًا حَدَثَ وُجُوبُهُ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِلْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ وَحَاجَتُهُمْ إلَى دَفْعِ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ لَهُ وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِهَذَا.
وَلَوْ قَالَ: فُلَانٌ شَرِيكِي فِي الطَّحْنِ، وَفِي يَدِ الْمُقِرِّ رَحًا وَإِبِلٌ وَمَتَاعُ الطَّحَّانِينَ فَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الشَّرِكَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الطَّحْنَ اسْمٌ لِلْعَمَلِ دُونَ الْآلَاتِ، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ كَوْنُهُ شَرِيكًا لَهُ فِي الْآلَاتِ، وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ فِي الْأَوَّلِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ عَامِلٍ فِي يَدِهِ حَانُوتٌ، وَفِيهِ مَتَاعٌ مِنْ مَتَاعِ عَمَلِهِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ شَرِيكٌ لِفُلَانٍ فِي عَمَلِ كَذَا فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الْعَمَلِ دُونَ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا بِإِقْرَارِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا صَرَّحَ بِهِ أَوْ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ: هُوَ شَرِيكِي فِي هَذَا الْحَانُوتِ فِي عَمَلِ كَذَا فَكُلُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ الْحَانُوتِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ مَتَاعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مَحَلًّا، وَهُوَ الْحَانُوتُ، وَذَكَرَ الْعَمَلَ لِتَقْيِيدِ الْإِقْرَارِ بِمَتَاعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ فَمَا كَانَ فِي الْحَانُوتِ مِنْ مَتَاعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ فَقَدْ تَنَاوَلَهُ إقْرَارُهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ كَانَ الْحَانُوتُ وَمَا فِيهِ فِي أَيْدِيهِمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا فُلَانٌ شَرِيكِي فِي عَمَلِ كَذَا، فَأَمَّا الْمَتَاعُ فَهُوَ لِي، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ الْمَتَاعُ بَيْنَنَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ثُبُوتَ يَدِهِمَا عَلَى الْحَانُوتِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْيَدِ لَهُمَا عَلَى مَا فِي الْحَانُوتِ فَكَانَ فِي قَوْلِهِ الْمَتَاعُ لِي مُدَّعِيًا لِلنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute