للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِشْهَادِ وَأَنَّ الْإِقْرَارَ مُلْزِمًا كَالشَّهَادَةِ، فَإِذَا كَانَ بِسَبَبِ السَّفَهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي إفْسَادِ عِبَارَتِهِ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُلْزَمًا بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِقْرَارِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَيْنٍ وَلَا بَيْعٍ كَمَا لَا يَجُوزُ مُبَاشَرَتُهُ هَذِهِ الْأَسْبَابَ عِنْدَهُمَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأْثِيرَ الْحَجْرِ عِنْدَهُمَا كَتَأْثِيرِ الْهَزْلِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ السَّفِيهِ لَا يَكُونُ عَلَى نَهْجِ أَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ لِمُكَابَرَتِهِ عَقْلَهُ كَمَا أَنَّ فِعْلَ الْهَازِلِ لَا يَكُونُ عَلَى نَهْجِ أَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ لِقَصْدِهِ غَيْرَهُ فَكُلُّ مَا أَثَّرَ فِيهِ الْهَزْلُ أَثَّرَ فِيهِ الْحَجْرُ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِ وَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَجْرُ، وَلَكِنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ قَصَدَ الْهَزْلَ بِشَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ الْحَجْرُ لَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْحَجْرِ.

وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِصَبِيٍّ صَغِيرِ لَقِيطٍ بِدَيْنِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ أَهْلٌ أَنْ يَجِبَ لَهُ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِ وَتَصْحِيحُ الْإِقْرَارِ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُ وَالصِّبَا لَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي الصَّبِيُّ وَالصَّبِيُّ بِحَالٍ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يُقْرِضُ فَالْمَالُ لَازِمٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ بَاشَرَ هَذَا السَّبَبَ وَإِضَافَةُ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الصَّبِيِّ بِطَرِيقٍ بَاشَرَهُ إنَّمَا بَاشَرَهُ لَهُ، وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا السَّبَبَ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّبِيِّ، وَلَكِنَّ امْتِنَاعَ ثُبُوتِ السَّبَبِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي السَّبَبِ بِإِنْ قَالَ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ أَقْرَضْتَنِيهِ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مَا أَقْرَضْتُكَ بَلْ غَصَبْتَهَا مِنِّي فَالْمَالُ لَازِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ السَّبَبُ تَكْذِيبَهُ إيَّاهُ.

عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَوْدَعَنِي هَذَا الصَّبِيُّ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِمَجْنُونٍ فَإِقْرَارُهُ بِأَصْلِ الْمَالِ صَحِيحٌ وَالسَّبَبُ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفِيلٌ لِهَذَا الصَّبِيِّ عَنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالصَّبِيُّ لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ فَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ كُفِّلَ لِغَائِبٍ بِمَالٍ وَلَا يَقْبَلُ عَنْ الْغَائِبِ أَحَدٌ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمَا صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَذَلِكَ إذَا كُفِّلَ لِصَبِيٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَقْدُ بَاطِلٌ وَإِقْرَارُهُ بِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ لَهُ لِإِقْرَارِهِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِلصَّبِيِّ قَالَ: كَأَنْ كَانَ أَبُو الصَّبِيِّ أَوْ وَصِيُّهُ خَاطَبَهُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا أَدْرَكَ الصَّبِيُّ وَرَضِيَ بِهَا جَازَتْ، وَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الصَّبِيُّ بَطَلَتْ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ لَا يُثْبِتُ الْوِلَايَةَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَالْكَفَالَةُ وَإِنْ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>