للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُذْرَةَ بِالْغَصْبِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْوَطْءِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا الْفَصْلُ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَقَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَ ذَهَبَ بِهَا إلَى مَنْزِلِ مَوْلَاهُ فَقَدْ صَارَ غَاصِبًا لَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَضَمَانُ الْغَصْبِ يُؤَاخَذُ بِهِ الْمَأْذُونُ فِي الْحَالِ، فَإِذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى تَضْمِينَهُ مَا ذَهَبَ مِنْ الْعُذْرَةِ عِنْدَهُ لَا بِوَطْئِهِ بَلْ بِالْغَصْبِ السَّابِقِ كَمَا لَوْ عَايَنَّاهُ أَنَّهُ غَصَبَ أَمَةً عَذْرَاءَ وَرَدَّهَا بَعْدَ زَوَالِ عُذْرَتِهَا، وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ بِالْوَطْءِ فَفِي الْوَطْءِ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْمَأْذُونُ فِي الْحَالِ حَتَّى يَعْتِقَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ الْوَطْءِ هُنَا إتْلَافُ الْعُذْرَةِ فَيَضْمَنُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ لِحَقِّ مَوْلَاهُ وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ.

وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ التَّاجِرُ أَنَّهُ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا فَافْتَضَّهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الِافْتِضَاضَ هُنَا بِالْوَطْءِ تَرَتَّبَ عَلَى سَبَبٍ هُوَ تَجَاوُزُهُ، وَهُوَ الْبَيْعُ الَّذِي لَوْلَاهُ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَكَانَ الضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ فَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَالسَّبَبُ هُنَا عَقْدُ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ فِي الْحَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مُعْتَبَرٌ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ضَمِنَ الْقِيمَةَ كَمَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ، وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ الْقِيمَةِ بِسَبَبِ عَقْدِ الْوَكِيلِ فَيُجْعَلُ مُعْتَبَرًا بِضَمَانِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ ضَمَانُ الْعَيْنِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ عَيْنَهَا ذَهَبَتْ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ عُذْرَتَهَا ذَهَبَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ ضَمِنَ كَمَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ الْمُسْتَحِقُّ وَهَذَا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النِّكَاحِ فَإِنَّ سَبَبَ النِّكَاحِ لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ إذَا ذَهَبَتْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَ صَبِيَّةً بِشُبْهَةٍ فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا فَأَفْضَاهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَكَذَا قَالَ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَعْتِقَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِوُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْمَهْرِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ لَا يَلْزَمُهُ بِإِقْرَارِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَعْتِقَ فَهَذَا مِثْلُهُ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِعْلَهُ الْكَبِيرَةَ هُنَاكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا ضَمَانُ الْإِفْضَاءِ فَهُوَ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ وَإِقْرَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>