شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِمَا أَقَرَّ بِهِ وَضْعًا بَلْ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمُقِرِّ، فَإِذَا جَاءَ بِدَابَّةٍ بِعَيْنِهَا، وَقَالَ هِيَ هَذِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إنْ جَاءَ بِفَرَسٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّابَّةِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا هَذِهِ الْأَجْنَاسَ الثَّلَاثَةَ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْبَيَانُ مِنْ الْمُقِرِّ إذَا كَانَ مُطْلِقًا لِلَفْظِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ نَخْلًا أَوْ بُسْتَانًا فَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَكُونُ دَيْنًا بِحَالٍ، وَلَكِنْ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْكَلَامِ وَلَهُ مَجَازٌ مُحْتَمِلٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ رَدُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ بِغَصْبِ دَارٍ أَوْ بُسْتَانٍ فَيُؤْخَذُ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَدْنَى هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ قَبْلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إقْرَارُهُ إلَى الْوَسَطِ عَلَى قِيَاسِ الْعَبْدِ وَصَحَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ فَيَقُولُ هُنَاكَ الْعَبْدُ الْمُطْلَقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا دَيْنًا إلَّا فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ وَهُنَا الثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي مُبَادَلَةِ مَالٍ كَالسَّلَمِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَصْفِ فِيهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِإِقْرَارِهِ هُنَا بِبَعْضِ الْأَسْبَابِ فَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي بَيَانِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ شَيْئًا آخَرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى ثَوْبٍ، وَلَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ فَأَيُّ ثَوْبٍ جَاءَ بِهِ قُبِلَ مِنْهُ اللَّبِيسُ وَالْجَدِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يُتْرَكُ حَتَّى يُسَمِّيَ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ بِمُطْلَقِ اسْمِ الثَّوْبِ لَا يَثْبُتُ الثَّوْبُ دَيْنًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ فَيَصِيرُ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْغَصْبِ وَمَعَ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْأَجَلِ يَثْبُتُ دَيْنًا فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي بَيَانِهِ قَوْلَ الْمُقِرِّ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا هِبَةَ لَهُ قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى صَدَقَةً أَوْ شِرَاءً فَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى غَيْرَ مَا نَفَاهُ.
وَلَوْ قَالَ لَا بَيْعَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَبْدًا جَعَلَهُ لَهُ مِنْ صُلْحٍ أَوْ قَالَ لَا صُلْحَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَبْدًا شِرَاءً كَانَ عَلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى غَيْر مَا نَفَاهُ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ شَيْءٌ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ قَبْلَ إقْرَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَفِيمَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ مِنْ الْقَبْضِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَبْدِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا أَقَرَّ بِالرَّهْنِ فِي السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلِ حَتَّى يُعَايِنَ الشُّهُودُ التَّسْلِيمَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute