للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَزْلَهُ بِدُونِ مَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ؛ بِأَنْ يَعْزِلَ الْمُوَكِّلُ وَكِيلَهُ وَيُخْفِي شَخْصَهُ فَلَا يَتَوَصَّلُ الْخَصْمُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ، فَلِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْخَصْمِ قُلْنَا: " لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ الْوَكِيلِ، كَالْعَزْلِ فِي بَابِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ لَا يَمْلِكُ الرَّاهِنُ عَزْلَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ".

وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: " إذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِالْتِمَاسِهَا ثُمَّ سَافَرَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ الْوَكِيلِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهَا " وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمَرْأَةِ فِي سُؤَالِ الطَّلَاقِ، وَالتَّوْكِيلُ عِنْدَ سَفَرِ الزَّوْجِ، وَهُنَا لِلْخَصْمِ حَقٌّ أَنْ يَمْنَعَ خَصْمَهُ مِنْ أَنْ يُسَافِرَ وَأَنْ يُلَازِمَهُ لِيَثْبُتَ حَقُّهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ إنَّمَا تَرَكَ ذَلِكَ بِتَوْكِيلِهِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ " كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلٌ " لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ تَجَدَّدَتْ وَكَالَتُهُ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِأَنْ يَقُولَ " عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ " فَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَفَّذِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجِزْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ الشَّرْعِ بِجَعْلِ الْوَكَالَةِ مِنْ اللَّوَازِمِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.

وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَهُوَ مُقِيمٌ بِالْبَلَدِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، إلَّا بِرِضًا مِنْ خَصْمِهِ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ " لِلْبِكْرِ أَنْ تُوَكِّلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ "، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا: " لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَ بِذَلِكَ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُرُوءَةٌ "، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: " الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، لَهُمْ التَّوْكِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ " وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ التَّوْكِيلَ حَصَلَ بِمَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ، فَيَكُونُ صَحِيحًا بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ، كَالتَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ وَالْإِيفَاءِ وَالتَّقَاضِي، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْجَوَابِ الَّذِي هُوَ إنْكَارٌ، وَمَنْ أَفْسَدَ هَذَا التَّوْكِيلَ إنَّمَا يُفْسِدُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ، وَالْإِنْكَارُ خَالِصُ حَقِّ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ الْخَصْمَ عَنْ نَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِمَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: " هُوَ بِهَذَا التَّوْكِيلِ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِخَصْمِهِ فِيمَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِرِضَاهُ كَالْحَوَالَةِ بِالدَّيْنِ " وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْحُضُورَ وَالْجَوَابَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْطَعُهُ عَنْ أَشْغَالِهِ وَيُحْضِرُهُ لِيُجِيبَ خَصْمُهُ، وَإِنَّمَا يُحْضِرُهُ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي هَذَا الْجَوَابِ، فَرُبَّ إنْكَارٍ يَكُونُ أَشَدَّ دَفْعًا لِلْمُدَّعِي مِنْ إنْكَارٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ الْوَكِيلِ، وَذَلِكَ الْأَشَدُّ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ لَوْ أَجَابَ الْخَصْمُ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْخَصْمِ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - قَالَا: ذَلِكَ حَقُّ الْمُوَكِّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>