للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآمِرِ، وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُجْعَلُ هَكَذَا، لِأَنَّ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْإِجَارَةَ فِي مَعْنَى عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، فَبَعْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَمْتَنِعُ الِانْعِقَادُ، لَا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَقْدًا مُبْتَدَأً بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَكِيلِ، وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى الْعَقْدُ مُنْعَقِدٌ بِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَهَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَنْ يُجْعَلَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَقْدًا مُبْتَدَأً لِيُقَامَ رَقَبَةُ الدَّارِ فِيهِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ.

قَالَ: وَلِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَمَنْ اُعْتُبِرَ أَمْرُهُ فِي شَيْءٍ بِغَيْرِ إطْلَاقٍ جُعِلَ أَمْرُهُ كَأَوَامِرِ الشَّرْعِ، فَالِامْتِثَالُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِأَصْلِ الْبَيْعِ لَا بِصِفَةِ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ قُيِّدَ وَالْمُطْلَقُ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّكْفِيرَ لَمَّا كَانَ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ مُطْلَقَةٍ اسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ.

وَلِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ؛ فَإِنَّ مُوجَبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ.

وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَالْكَفَالَةَ؛ وَثِيقَةً لِجَانِبِ اللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ يَزْدَادُ بِهِ لِمُطْلَقِ الْمُطَالَبَةِ، فَإِنَّهُ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ بَعْدَ الْكَفَالَةِ مَعَ بَقَاءِ الْكَفَالَةِ وَالْمُطَالَبَةِ عَلَى الْأَصِيلِ كَمَا كَانَتْ، وَالْمُطَالَبَةُ مِنْ حُقُوقِ الْوَكِيلِ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ قَالَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْحَوَالَةِ يُحَوِّلُ الثَّمَنَ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جُوِّزَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ نَفَذَ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُنْعِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ لَهُ هَذَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: يَجُوزُ قَبُولُ الْحَوَالَةِ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ ضَامِنًا الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ.

وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِبْرَاءِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنَ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَصَارَ ضَامِنًا لِلْمُوَكِّلِ قِيَاسًا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ إبْرَاؤُهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِلْكٌ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْبَدَلَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، فَإِبْرَاءُ الْوَكِيلِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ.

كَمَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَهَبَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَدَلِيلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا عِنْدَهُمَا.

وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ خَالِصُ حَقِّ الْوَكِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَكَانَ هُوَ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقَبْضِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ، فَيَصِحُّ مِنْهُ إلَّا أَنَّ بِقَبْضِهِ يَتَعَيَّنُ مِلْكُ الْآمِرِ فِي الْمَقْبُوضِ، فَإِذَا انْسَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْبَابُ فَبِإِبْرَائِهِ صَارَ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ يُعْتِقُ الْمَرْهُونَ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ؛ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ، وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِانْسِدَادِ بَابِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِعْتَاقِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فِي الْإِبْرَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>