وَالْإِعْتَاقُ غَيْرُ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ إبْطَالٌ لِلْمِلْكِ، وَالْبَيْعُ نَاقِلٌ أَوْ مُوجِبٌ الْمِلْكَ لِلْغَيْرِ؛ أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجِبُ الْوَكَالَةَ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْوَلَاءَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ قَرِيبِ الْعَبْدِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ مُطْلَقٌ، ثُمَّ الْعِتْقُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْقَرِيبِ بِالشِّرَاءِ، فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ هُنَا قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ هُنَا وَلَاءٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ وَلَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى بَيْعِهِ، فَبَاعَهُ، وَلَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَأَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الْأَمْرِ بِالْبَيْعِ، فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ، فَقَالَ - تَعَالَى -: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢]، ثُمَّ مَنْ بَاعَ، وَلَمْ يُشْهِدْ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِرَهْنِ ثِقَةٍ بِنَسِيئَةٍ، فَبَاعَهُ بِغَيْرِ رَهْنٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ، وَإِلْصَاقُ الْبَيْعِ بِالرَّهْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّرْطِ، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِبَيْعِ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ كَانَ مُخَالِفًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِكَفِيلٍ ثِقَةٍ، فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ كَفِيلٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ مُقَيَّدٍ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ بَيْعٌ مُطْلَقٌ، وَالْمُطْلَقُ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ، وَفِي شِرَاءِ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ مَنْفَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُوَ التَّوَثُّقُ بِحَقِّهِ، فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ أَوْجَبَ لِغَيْرِهِ بَيْعًا بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقْبَلَ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، فَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: لَمْ يَأْمُرْنِي بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَدَبَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، فَبَاعَهُ مِنْهُ وَمِنْ آخَرَ، جَازَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي الَّذِي بَاعَهُ لِلْآخَرِ مُخَالِفٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ مِنْ الْآخَرِ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، فَإِذَا بَاعَ مِنْ الَّذِي سَمَّى لَهُ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ بِبَيْعِ النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِهَذَا جَازَ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ،
قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآمِرِ؛ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَكُلٌّ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْمُوَكِّلِ، كَاشْتِرَاطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ، ثُمَّ لَا ضَرَرَ عَلَى الْآمِرِ فِي هَذَا الشَّرْطِ، بَلْ فِيهِ نَفْعٌ لَهُ، وَالْوَكِيلُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا بِمَا يُرَادُ فِيهِ مَنْفَعَةُ الْآمِرِ، وَإِذَا قَبِلَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ، بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ بِخِيَارِ شَرْطٍ، أَوْ رُؤْيَةٍ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهَذَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute