بِأَرْبَعِينَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْآمِرِ بِهَذَا: بِعْ عَلَى مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ لَا أَدْنَاهُ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ، وَاسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ مَا سَمَّى لَهُ، فَإِنَّهُ سَمَّى لَهُ الْبَيْعَ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ، وَإِذَا كَانَ قَدْ بَاعَهُ بِأَرْبَعِينَ؛ فَهَذَا قَدْ بَاعَ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ؛ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَنْصُوصَاتِ يُعْتَبَرُ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لَا نِهَايَتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا شَرَطَ صِفَةَ الْجَوْدَة فِي الْمَبِيعِ يَعْتَبِرُ أَدْنَى الْجُودَةِ لَا أَعْلَاهَا، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُنْفِذْ بَيْعَهُ لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَجْعَلَ الْوَكِيلَ ضَامِنًا، وَبِالشَّكِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَقَبِلَ الْوَكَالَةَ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ - فَهُوَ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ عَزْلَ نَفْسِهِ فِيمَا يُوَافِقُ أَمْرَ الْآمِرِ، وَعَزْلُهُ يَكُونُ بِالْخِلَافِ، لَا بِالْمُوَافَقَةِ، فَلَا يَعْمَلُ قَصْدُهُ هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشِرَائِهِ، فَاشْتَرَاهُ - فَهُوَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ مِنْهُ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا وَجَدَ الْوَكِيلُ بِالْعَبْدِ عَيْبًا؛ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، وَلَا يَسْتَأْمِرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مُسْتَبِدٌّ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَا دَامَ فِي يَدِهِ فَالْوَكَالَةُ قَائِمَةٌ غَيْرُ مُنْتَهِيَةٍ، فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّهِ بِيَدِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْمَارِ الْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي عَيْبِهِ، إلَّا بِأَمْرِ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْآمِرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهِ إلَّا بِإِبْطَالِ يَدِهِ، وَالْيَدُ حَقِيقَةٌ فِيهِ لِلْآمِرِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى إبْطَالِ يَدِهِ إلَّا بِرِضَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ: أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي هَذَا الْعَبْدِ شَيْئًا بَعْدَ مَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّهُ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ مَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِصِنْفِ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، فَاشْتَرَاهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الصِّنْفِ - لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَ الْآمِرِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ تَحْصِيلُ الْعَبْدِ لَهُ بِهَذَا الصِّنْفِ الَّذِي سَمَّاهُ، فَإِذَا لَمْ يُحَصِّلْ مَقْصُودَهُ؛ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلْآمِرِ إلَّا بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِدَنَانِيرَ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ إطْلَاقِ الْوَكَالَةِ فِي الْعِوَضِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ، وَهَذَا الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْضَهُ بِعَيْنِهَا تِبْرًا وَإِنَاءٍ مَصُوغٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرٍ أَوْ بِمَكِيلٍ أَوْ بِمَوْزُونٍ أَوْ عَرَضٍ، لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ، لَمَّا قُيِّدَ بِالشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ - صَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالتِّبْرُ وَالْمَصُوغُ لَيْسَا بِنَقْدٍ فَكَانَ فِيمَا صَنَعَ مُخَالِفًا أَمْرَهُ؛ فَلِهَذَا صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ دُونَ الْآمِرِ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ، فَاشْتَرَاهُ - لَزِمَ الْآمِرَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ وَكِيلِهِ بِالشِّرَاءِ، وَمَا رَضِيَ بِتَوْكِيلِهِ فَهُوَ فِي التَّوْكِيلِ مُخَالِفٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute