عَلَى الْآمِرِ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكِرَاءِ بِعَقْدٍ آخَرَ سِوَى الْعَقْدِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِي حَمْلِهِ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ السُّوقِ فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ بِكِرَاءٍ كَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحَمْلِهِ دَلَالَةً، فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْفُرَاتِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْرُكَهُ هُنَاكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الْحِنْطَةَ تُحْمَلُ فِي السُّفُنِ إلَى بَغْدَادَ، فَتُشْتَرَى ثَمَّةَ، وَتُنْقَلُ إلَى الْمَنَازِلِ؛ إذْ لَا يَبْقَى هُنَاكَ بِاللَّيْلِ أَحَدٌ يَحْفَظُهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَانُوتٌ تُحْفَظُ فِيهِ، فَلَمَّا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَذَا؛ صَارَ الْآمِرُ آمِرًا لَهُ بِالنَّقْلِ دَلَالَةً، وَالنَّقْلُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْكِرَاءِ، وَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِهَذَا الِاسْتِئْجَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ السُّوقِ.
تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْوَكِيلَ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا النَّقْلِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ هُنَاكَ يَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فِي هَذَا النَّقْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ السُّوقِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى نَقْلِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّرْكِ فِي حَانُوتِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُرَّ بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَأْجَرَ لَهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الْكِرَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ صَارَ مُخَالِفًا لَهُ، فَكَانَ مُسْتَأْجِرًا لِنَفْسِهِ، فَحَمْلُهُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ كَحَمْلِهِ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدِرْهَمٍ؛ جَازَ عَلَى الْآمِرِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا يُحْبَسُ الطَّعَامُ بِبَدَلِهِ، وَبَدَلُ الْكِرَاءِ هُنَا مَنْفَعَةُ الدَّابَّةِ فِي الْحَمْلِ، وَقَدْ تَلَاشَتْ وَلَيْسَ لِلْحَمْلِ أَثَرٌ قَائِمٌ فِي الْمَحْمُولِ، فَلَا يُحْبَسُ الْمَحْمُولُ بِهِ، بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ، فَإِنَّ أَثَرَ فِعْلِ الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ قَائِمٌ فِي الثَّوْبِ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ طَعَامًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ، فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ نَسِيئَةً - فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالشِّرَاءِ مُطْلَقًا وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا أَنَّهُ: إنَّمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لِلْآمِرِ بِالنَّسِيئَةِ، إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ لَا عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ؛ وَبَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، ثُمَّ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ مَعَ الْوَكِيلِ كَحَالِ الْوَكِيلِ مَعَ الْبَائِعِ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا، فَلِلْآمِرِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ فَحَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ - لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ حُلُولَ الثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأَجَلِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِبَقَائِهِ؛ أَوْ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، صَارَ كَالْمُسْتَحَقِّ فِي تَرِكَتِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْآمِرِ مَا بَقِيَ حَيًّا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ إلَى أَجَلٍ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ أَعْطَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute