لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ الْآمِرَ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ السَّمِين، الَّذِي يَشْتَرِي مِنْهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَقَدْ اشْتَرَى الْمَهْزُولَ؛ فَلَمْ يَكُنْ مُحَصِّلًا مَقْصُودَ الْآمِرِ، فَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، فَاشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ دَنَانِيرَ، أَوْ بِمِثْلِ وَزْنِهِ دَرَاهِمَ. فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مُطْلِقٌ لِلتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالنُّقُودِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ مِنْ النُّقُودِ، وَشِرَاءُ الْإِبْرِيقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَادٌ، لَوْ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لَهُ وَفِي حُكْمِ التَّقَابُضِ الْمُعْتَبَرِ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَغَيْبَةُ الْمُوَكِّلِ لَا تَضُرُّ، هَذَا غَيْرُ مُشْكِلٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، لِأَنَّ قَبْضَهُ وَتَسْلِيمَهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ، فَفِي حُكْمِ صِحَّةِ التَّقَابُضِ - هُوَ بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، فَإِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: لَمْ تَشْتَرِهِ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ - فَإِنَّهُ يُلْزِمُ الْمُوَكِّلَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ فِي حَالِ تَمَلُّكِ الْإِنْشَاءِ، فَيَكُونُ إقْرَارُهُ صَحِيحًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: أَخَذْتُهُ بِثَمَنٍ دُونَ الَّذِي قُلْتَ، لِأَنَّ تَصَادُقَ الْبَائِعِ مَعَ الْوَكِيلِ عَلَى الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، بِمَنْزِلَةِ مُبَاشَرَتِهِمَا الْعَقْدَ، فَيَكُونُ لَازِمًا لِلْمُوَكِّلِ، فَالْمُوَكِّلُ يَدَّعِي عَقْدًا سِوَى الَّذِي ظَهَرَ بِتَصَادُقِهِمَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءِ دَارٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْمُعَيَّنِ الْوَكِيلَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ، وَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ، إذَا كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، فَمُطْلَقُ شِرَائِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ دُونَ مَا لَا يَمْلِكُهُ؛ فَلِهَذَا كَانَ لَازِمًا لِلْمُوَكِّلِ.
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِخَاتَمِ ذَهَبٍ فَصُّهُ يَاقُوتَةٌ. يَبِيعُهُ، فَبَاعَهُ بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ، أَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ أَكْثَرَ وَزْنًا مِنْهُ؛ وَلَيْسَ فِيهِ فَصٌّ فَهُوَ جَائِزٌ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمِثْلَ مِنْ الذَّهَبِ يَصِيرُ بِإِزَاءِ الْمِثْلِ وَالْبَاقِي، بِإِزَاءِ الْفَصِّ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا؛ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الذَّهَبِ صَرْفٌ، وَإِنْ بَاعَهُ بِخَاتَمِ ذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ أَقَلَّ، وَفِيهِ فَصٌّ، وَتَقَابَضَا جَازَ.
كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْجِنْسَ يُصْرَفُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَحْيَانًا، لَا لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ، يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ، وَعِنْدَهُمَا: إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَادِ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، وَإِنْ صَرَفْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute