عَنْ هَذَا الْجُزْءِ بِالِانْفِصَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ وَعِنْدَهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ شَخْصٌ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ ثُمَّ نَقُولُ الْوَلَدُ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَلَا يَبْقَى مَحْفُوظًا إلَّا مَعَ الْأُمِّ وَمَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ مِنْ هَذَا التَّوْكِيلِ صِيَانَةُ مَالِهِ فَلِهَذَا يَتَعَدَّى أَمْرُهُ إلَى مَا يَلِدُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَرْشِ وَالْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ وَيَبْقَى مَحْفُوظًا مُنْفَصِلًا مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَضَ الْمُنْفَصِلُ قَبْلَ الْوَكَالَةِ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ هُنَاكَ لَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ قَبْضَ الْوَلَدِ مَعَ الْأَصْلِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنُصَّ فِي التَّوْكِيلِ عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْوَلَدِ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّوْكِيلِ فَأَمَّا مَا يَنْفَصِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ الْمُوَكِّلُ يَعْلَمُ بِهِ لِيَنُصَّ فِي التَّوْكِيلِ عَلَى قَبْضِهِ فَلِهَذَا يَتَعَدَّى حُكْمُ الْآمِرِ إلَيْهِ وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَوْدِعُ بَاعَ الثَّمَرَةَ فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ بِأَمْرِ رَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ لِأَنَّ ائْتِمَانَهُ إيَّاهُ فِي قَبْضِ الْبُسْتَانِ لَا يَكُونُ ائْتِمَانًا فِي قَبْضِ الدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّ ائْتِمَانَهُ إيَّاهُ فِي قَبْضِ الْبُسْتَانِ يَكُونُ ائْتِمَانًا فِي قَبْضِ الثِّمَارِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَشْجَارِ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِنْ الثِّمَارِ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ وَكَمَا لَا يَقْبِضُ ثَمَنَ الثِّمَارِ لَا يَقْبِضُ ثَمَنَ وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَلَا قِيمَتَهُ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ
قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَوَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَاسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ وَقَبَضَ الْمُسْتَوْدِعُ مِثْلَهَا مِنْ الْمُسْتَهْلِكِ فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْمِثْلَ لِأَنَّ الْمِثْلَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الْعَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى إذْنُهُ إلَى عَيْنٍ أُخْرَى وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمِثْلَ لِأَنَّ رِضَاهُ بِأَمَانَتِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَقَدْ يُؤَدِّي الْإِنْسَانُ الْأَمَانَةَ مِنْ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْعَيْنِ فَائْتِمَانُهُ إيَّاهُ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا الْمِثْلُ مِنْ جِنْسِ الْمُتْلَفِ فَائْتِمَانُهُ إيَّاهُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ يَقْتَضِي الِائْتِمَانَ فِي الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّعْيِينَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يُفِيدُ دُونَ مَا لَا يُفِيدُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَعْيِينَ النُّقُودِ فِي الْعُقُودِ مُعْتَبَرٌ فِي تَعْيِينِ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْقُدَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُدَهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَهَذَا مِثْلُهُ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَكَلَهَا الْمُسْتَوْدِعُ أَمَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِثْلَهَا وَالْجَوَابُ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ وَفِيمَا اسْتَشْهَدَ لَهُ سَوَاءٌ
قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ وَدِيعَةٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ اسْتَوْدَعَهَا إيَّاهُ ثَانِيَةً لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِقَبْضِهَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ تَمَّ مَقْصُودُهُ فَانْعَزَلَ الْوَكِيلُ وَلِأَنَّ إيدَاعَهُ ثَانِيًا عَقْدٌ جَدِيدٌ وَالتَّوْكِيلُ بِاسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ بِحُكْمِ عَقْدٍ لَا يَتَعَدَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute