لِأَنَّ التَّوْكِيلَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِفِعْلٍ مِنْهُ سَبَقَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ مِنْ الْمَوْلَى فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا وَلَكِنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْعَبْدِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ دَبَّرَهُ قَبْلَ جِنَايَتِهِ وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الزِّيَادَاتِ إلَى أَنَّ اسْتِمْرَارَ الْوَكَالَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّوْكِيلِ لِكَوْنِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْعَزْلِ فَيَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ
وَلَوْ قَالَ بِعْ عَبْدِي هَذَا أَوْ كَاتِبْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَلَى مَالٍ فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ الْوَكِيلُ جَازَ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ قَالَ كَاتِبْ عَبْدِي هَذَا أَوْ هَذَا فَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْمَوْلَى خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ أَوْ فَإِنْ كَاتَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ جَازَتْ مُكَاتَبَةُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِكِتَابَةِ أَحَدِهِمَا فَإِذَا كَاتَبَ الْأَوَّلَ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الْآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَاتَبَهُمَا مَعًا فَكِتَابَتُهُمَا بَاطِلَةٌ إذَا جَعَلَ النُّجُومَ وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِمُكَاتَبَتِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْعَقْدِ فِيهِمَا وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ تَعَيَّنَتْ جِهَةُ الْبُطْلَانِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ النُّجُومَ وَاحِدَةً فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى يَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْبَسُ الْآخَرُ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا مُمْكِنٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ مُتَفَرِّقً فَهُوَ فِي كِتَابَةِ أَحَدِهِمَا مُمْتَثِلٌ أَمْرَ الْمَوْلَى وَفُسِخَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا وَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَكِيلَ مُعَبِّرٌ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِ مِنْ خِيَارِ الْبَيَانِ شَيْءٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي حُكْمِ الْإِسْقَاطِ دُونَ التَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْ مِلْكِ الْيَدِ حَتَّى يَصِيرَ لِلْمُكَاتَبِ كَمَا أَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إسْقَاطَ الْحَقِّ عَنْ أَصْلِ مِلْكِهِ لَأَنْ يَكُونَ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ فِي التَّمْلِيكَاتِ لَا فِي الْإِسْقَاطَاتِ فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَيَّ هَاتَيْنِ فَزَوَّجَهُمَا مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَزْوِيجِ إحْدَاهُمَا وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلَا فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ جَعَلَ النِّكَاحَ كَالْكِتَابَةِ فَقَالَ يَجُوزُ فِي إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ فَأَمَّا فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَهُمَا جَمِيعًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِبَيْعِهَا
قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ يَوْمَ السَّبْتِ قَدْ كَاتَبْتُهُ أَمْسِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ عَلَى كَذَا وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute