لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ مَا أَمَرَهُ بِهِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ، ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ حِينَ سَمَّى مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَسْمِيَةٍ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّزْوِيجِ فَعَقَدَ بِأَلْفَيْنِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا فَإِنَّهُ كَمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَسْمِيَةِ الْعَبْدِ صَدَاقًا لَمْ يُنْهَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَلَكِنْ امْتَنَعَتْ صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ أَصْلِ النِّكَاحِ كَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ لِلْغَيْرِ يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَلَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْعَبْدِ، وَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْأَلْفَيْنِ حَيْثُ خَالَفَ هُنَاكَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا قَالَ: وَإِنْ زَوَّجَهُ عَلَى وَصْفٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةِ الْوَصْفِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ وَوُجُوبُ الْمَالِ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ ضَرُورَةِ مَا أَمَرَ بِهِ الْوَكِيلَ وَهُوَ النِّكَاحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤]؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ مِلْكِ النِّكَاحِ لِلزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِ شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ مِنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُشْكِلُ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ عِنْدَهُمَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّقْدِ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ فِي الصَّدَاقِ مُشْتَرَكٌ فَيَصِحُّ تَسْمِيَةُ النَّقْدِ وَغَيْرُ النَّقْدِ حَتَّى إذَا زَوَّجَهُ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ أَوْ عَلَى عَشَرَةِ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ أَوْ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّجَهُ عَلَى جِرَاحَةٍ جَرَحَهَا الزَّوْجُ وَلَهَا أَرْشٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْأَرْشِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، فَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ كَتَسْمِيَةِ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِأَرْشِ الْجِرَاحَةِ
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى رَقَبَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ عَقْدًا غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ بِعَقْدٍ يَكُونُ الْعَبْدُ مَعْتُوقًا عَلَيْهِ مَقْصُودًا حَتَّى لَا يَنْقَضِيَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ، وَقَدْ أَتَى بِعَقْدٍ يَكُونُ الْمَقْصُودُ فِيهِ مِلْكَ الْبُضْعِ دُونَ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَنْقَضِيَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ؛ وَلِأَنَّ تَقَابُلَ الْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ جِرَاحَةٍ فِيهَا قِصَاصٌ أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ لَهُ دَارًا لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا
قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً لَمْ يُسَمِّيهَا فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَرَضِيَتْ بِذَلِكَ لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا أَنَّ بِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ وَلَدِهِ لِلتُّهْمَةِ فَالتُّهْمَةُ دَلِيلُ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ وَالْقَابِلُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِهِ مَعَ نَفْسِهِ، وَبِمُطْلَقِ التَّوْكِيلِ لَا يَمْلِكُ الْعَقْدَ مَعَ نَفْسِهِ وَإِنْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّهَا قَالَ: وَلَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَمْيَاءَ أَوْ مَعْتُوهَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ مَفْلُوجَةً جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute