للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَقْدٌ وَهِيَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ فَإِذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ الْآمِرُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَسْتَأْجِرُهَا لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْآمِرِ فَإِنَّهُ إنْ حَصَلَ الْخَارِجُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ يَجِبُ الْأَجْرُ سَوَاءٌ حَصَلَ الْخَارِجُ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ أَرْضًا فَمَا اسْتَأْجَرَهَا بِهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الْأَرْضَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَنَحْوِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِئْجَارِ مُطْلَقٌ فَمَا اسْتَأْجَرَ بِهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ مُطْلَقٌ، وَقِيلَ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرَ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَّا بِالنَّقْدِ فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَقِيلَ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ عُرْفًا ظَاهِرًا فَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُ التَّوْكِيلِ عَلَى الْعُمُومِ حُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَلَيْسَ فِي الِاسْتِئْجَارِ مِثْلُ ذَلِكَ الْفَرْقِ فَقَدْ يَكُونُ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِالنَّسِيئَةِ كَمَا يَكُونُ بِالنَّقْدِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ يَمْلِكُ أَخْذَ الْأَرْضِ مُزَارَعَةً وَذَلِكَ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ تِلْكَ الْأَرْضُ كَانَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْآمِرِ فَيَجُوزُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْجِرَابِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ بِعَيْنِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ خَرَجَ مِلْكُ الْعَيْنِ عَنْ مِلْكِ الْآمِرِ وَهُوَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَتِهِ بِإِدْخَالِ الْمَنْفَعَةِ فِي مِلْكِهِ لَا بِنَقْلِ الْمِلْكِ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ

قَالَ وَلِلْوَكِيلِ بِالْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ فَإِنْ وَهَبَهُ لِلْعَامِلِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ لِأَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْخَارِجِ عَيْنًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَجْرَ إذَا كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِيهِ وِلَايَةُ الْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً فَأَجَّرَهَا بِحَيَوَانٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُؤَاجِرَهَا بِجُزْءٍ مِمَّا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ وَقَدْ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ نَصًّا وَإِنْ أَجَّرَهَا بِحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يُزْرَعُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْمُزَارَعَةَ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ الْآمِرِ بِطَرِيقٍ هُوَ أَنْفَعَ لَهُ مِمَّا سَمَّى لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا مُزَارَعَةً ثُمَّ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْآمِرَ شَيْئًا وَإِذَا أَجَّرَهَا بِحِنْطَةٍ كَيْلًا كَانَ الْآمِرُ مُسْتَحِقًّا لِلْآجِرِ وَإِنْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ وَفِيهِ يُحَصَّلُ مَقْصُودُهُ لِأَنَّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>