وَلَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَا أَوْ اقْضِهَا فُلَانًا عَنِّي ثُمَّ ارْتَدَّ الْآمِرُ وَلَحِقَ بِالدَّارِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فَعَلْتُ ذَلِكَ فِي إسْلَامِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مُسَلَّطٌ أَخْبَرَ بِمَا سُلِّطَ عَلَيْهِ فَيُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذِبُهُ ظَاهِرًا، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُثْبِتُ سَبْقَ التَّارِيخِ فِي تَصَرُّفِهِ بِبَيِّنَتِهِ
وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَقَالَ قَدْ بِعْته فِي إسْلَامِهِ وَدَفَعْت إلَيْهِ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَرَثَةِ عَنْهُ بِتَصَرُّفٍ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُرْتَدَّةِ اللَّاحِقَةِ بِالدَّارِ لِأَنَّ بَعْدُ اللُّحُوقِ حَالُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَادَ مُسْلِمًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَالْوَكِيلُ فَالْقَوْلُ فِيهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ كَاخْتِلَافِ الْوَكِيلِ مَعَ الْوَرَثَةِ لِمَا قُلْنَا
قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا ثُمَّ ارْتَدَّ الْآمِرُ وَلَحِقَ بِالدَّارِ فَقَالَ الْوَكِيلُ زَوَّجْته فِي إسْلَامِهِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ وَالْمُوَكِّلُ بَعْدُ جَاءَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ أَوْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُخْبِرُ بِمَا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَقَدْ انْعَزَلَ بِرِدَّةِ الْآمِرِ وَلَمْ يَعُدْ وَكِيلًا بَعْدَ مَا جَاءَ مُسْلِمًا وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ نَفْيُ ضَمَانٍ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ فِيهِ إيجَابُ الْحَقِّ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ إذَا جَاءَ مُسْلِمًا وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَقَّ لِنَفْسِهَا بِبَيِّنَتِهَا وَتُثْبِتُ سَبْقَ التَّارِيخِ وَالْوَرَثَةُ يَنْفُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ يَسْتَحْلِفُ الْوَرَثَةَ عَلَى عِلْمِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِمَا ادَّعَتْ لَزِمَهُمْ فَإِنْ قَضَى الْقَاضِي لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ بَعْدَ مَا حَلَفُوا ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا فَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَحْلِفَهُ أَيْضًا فَلَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الصَّدَاقَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَاسْتِحْلَافُ الْوَرَثَةِ لَا يُسْقِطُ الْيَمِينَ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا نَائِبِينَ عَنْهُ فَالنِّيَابَةُ فِي الْأَيْمَانِ لَا تُجْرَى
قَالَ وَتَوْكِيلُ الْمُرْتَدَّةِ بِالتَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهَا بِنَفْسِهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ وَكَّلْت بِذَلِكَ مُرْتَدَّةً مِثْلَهَا أَوْ مُسْلِمًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَ رِدَّتِهَا يَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ لِأَنَّهَا تَبْقَى مَالِكَةً لِلتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهَا إلَّا أَنْ تُوَكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهَا فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ فِي حَالِ رِدَّتِهَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا جَازَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ إسْلَامِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُعْتَدَّةِ أَوْ الْمَنْكُوحَةِ إذَا وَكَّلْت إنْسَانًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ فِي إسْلَامِهَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ ارْتِدَادَهَا إخْرَاجٌ مِنْ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا حِينَ كَانَتْ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ وَقْتَ التَّوْكِيلِ تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي الْحَالِ ثُمَّ بِرِدَّتِهَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةً لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَزْلًا مِنْهَا لِوَكِيلِهَا فَبَعْدَ مَا انْعَزَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute