للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا حِينَ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَهُوَ أَضَرُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ، قَالَ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَالْكُرُّ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ وَسَطٌ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ إنَّمَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يُصَالِحَ عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهِ وَكَانَ بِهَذَا مُغَيِّرًا الْعَقْدَ إلَى غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ مَا خَالَفَ أَمْرَهُ بِهِ بِتَسْمِيَةِ شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْمَأْمُورِ بِهِ إنَّمَا تَرَكَ التَّعْيِينَ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ التَّقْيِيدِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ دُونَ مَا لَا يَكُونُ مُفِيدًا وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا فَقَدْ يَتَّفِقُ الصُّلْحُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْحِنْطَةُ، وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَيْنِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ دَخَلَ فِيهِ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي جَوَازِ شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ فَتَجُوزُ عَنْ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ كُرٍّ وَسَطٍ مُطْلَقًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْكُرَّ، وَلَمَّا وَكَّلَهُ الْمُوَكِّلُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَدْ يَبْتَلِي بِهَذَا فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِتَرْكِ التَّعْيِينِ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يُصَالِحَ عَلَى بَيْتٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ بِعَيْنِهِ فَصَالَحَ عَلَيْهِ وَهُوَ بَيْتٌ وَآخَرُ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا بِمَا صَنَعَ وَحَصَّلَ مَقْصُودَهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ هَذَا الْبَيْتِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَالَحَ عَنْهُ وَعَنْ بَيْتٍ آخَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ فِي حِصَّةِ ذَلِكَ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ حِينَ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ عَلَى أَقَلَّ مِمَّا سُمِّيَ لَهُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ رَبُّ الدَّارِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ وَضَمِنَ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ بِحُكْمِ ضَمَانِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَصَرُّفَهُ هُنَاكَ يَتَقَيَّدُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا لِلْمُدَّعِي فَصَالَحَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُدَّعِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلُ مُطْلَقٌ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الدَّعْوَى فَالصُّلْحُ جَائِزٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ الْخَصْمُ مُنْكِرًا وَلَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي أَوَّلًا يُعَرِّفُ مِقْدَارَ مَا يَدَّعِيه مِنْ الدَّارِ فَالصُّلْحُ عَلَى الْبَدَلِ الْيَسِيرِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مُتَعَارَفٌ وَالْحَطُّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِيهِ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ هُنَا فَلِهَذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ الْمُشْتَرِي الطَّاعِنُ بِالْعَيْبِ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فَأَقَرَّ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَإِقْرَارُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>