مَحَلٍّ فَمَا دَامَ بَاقِيًا فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَرَغَ مِنْهُ سَائِرُ الْمَحَالِّ ضَرُورَةً وَإِذَا ثَبَتَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَرَغَ مِنْهُ الْمَحَلُّ الْأَوَّلُ ضَرُورَةً لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ شَاغِلًا لِمَجْلِسٍ وَقَدْ ثَبَتَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ. وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَوَالَةُ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ كَالْكَفَالَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّوَثُّقُ لِحَقِّ الطَّالِبِ وَذَلِكَ فِي أَنْ تُزَادَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ لَا أَنْ يَسْقُطَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ اُخْتُصَّ بِاسْمٍ وَاخْتِصَاصُ الْعَقْدِ بِمُوجَبٍ هُوَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْمِ كَاخْتِصَاصِ الصَّرْفِ بِاسْمٍ كَانَ كَاخْتِصَاصِهِ بِمُوجَبٍ هُوَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَهُوَ صَرْفُ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى يَدِ صَاحِبِهِ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ (وَالسَّلَمُ) اُخْتُصَّ بِاسْمٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِمُوجَبٍ هُوَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَهُوَ تَعْجِيلُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَتَأْخِيرُ الْبَدَلِ الْآخَرِ بِالتَّأْجِيلِ فَكَذَلِكَ هُنَا مَعْنَى الْكَفَالَةِ الضَّمُّ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ هَذَا الْعَقْدِ ضَمَّ أَحَدِ الذِّمَّتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَعَ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ (وَمَعْنَى الْحَوَالَةِ) التَّحْوِيلُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ
(ثُمَّ الْكَفَالَةُ نَوْعَانِ) كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ وَقَدْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمَالِ عَادَةً وَمُبَاشَرَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ أَظْهَرُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَافْتَتَحَ بِحَدِيثِ حَبِيبٍ الَّذِي كَانَ يَقُومُ عَلَى رَأْسِ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شُرَيْحًا حَبَسَ ابْنَهُ بِكَفَالَةٍ بِنَفْسِ رَجُلٍ قَالَ حَتَّى طَلَبْنَا الرَّجُلَ فَوَجَدْنَاهُ فَدَفَعْنَاهُ إلَى صَاحِبِهِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلُ عَدْلِ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَمْ يَمِلْ إلَى ابْنِهِ بَلْ حَبَسَهُ وَلِهَذَا بَقِيَ عَلَى الْقَضَاءِ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ تَصِحُّ وَأَنَّ الْكَفِيلَ يُحْبَسُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَ الْمَطْلُوبِ إلَى خَصْمِهِ وَأَنَّ تَسْلِيمَ الْغَيْرِ بِأَمْرِ الْكَفِيلِ كَتَسْلِيمِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ قَالَ طَلَبْنَا الرَّجُلَ فَأَخَذْنَاهُ فَدَفَعْنَاهُ إلَى صَاحِبِهِ. وَجَوَازُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ أَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ هِيَ ضَعِيفَةٌ وَفِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ يَقُولُ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً لِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَكُونُ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَكْفُولَ بِنَفْسِهِ رَقَبَانِيٌّ مِثْلُهُ لَا يَنْقَادُ لَهُ لِتَسْلِيمِهِ خُصُوصًا إذَا كَفَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَفَالَةِ لَا يُثْبَتُ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً فِي نَفْسِهِ لِتَسْلِيمِهِ كَمَا أَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي الْمَالَ مِنْ مَالِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَهُوَ الْحَرْفُ الثَّانِي لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَالَةَ بِشَرْطِ أَدَاءِ الْمَكْفُولِ بِهِ مِنْ مُلْكِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ
وَلَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute