بِهِ أَنْ يُحْبَسَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَبْسَ نَوْعُ عُقُوبَةٍ وَإِنَّمَا تَتَوَجَّهُ عَلَى الظَّالِمِ وَلَا يَظْهَرُ ظُلْمُهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْهُ أَنَّهُ لِمَاذَا يَدَّعِي حَتَّى يَأْتِيَ بِالْخَصْمِ مَعَهُ فَلِهَذَا لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَلَكِنَّهُ يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْخَصْمِ فَيُسَلِّمَهُ فَإِذَا امْتَنَعَ حِينَ ذَلِكَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ حَبَسَهُ
وَإِذَا ارْتَدَّ الْمَكْفُولُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ لِأَنَّ لِحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ حُكْمًا فِي قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَى الْخَصْمِ فَيَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ وَكَذَلِكَ الْإِحْضَارُ وَالتَّسْلِيمُ يَتَأَتَّى بَعْدَ رِدَّتِهِ وَعَلَيْهِ تَنْبَنِي الْكَفَالَةُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ لَا يُحْبَسُ الْكَفِيلُ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِحْضَارِهِ أَمْهَلَهُ فِي ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا يَذْهَبُ فَيَأْتِي بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَبَسَهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ غَائِبًا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَمْهَلَهُ إلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَيَحْبِسُهُ مَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا عَاجِزًا عَنْ الْأَدَاءِ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى وَقْتِ يَسَارِهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] وَطَرِيقُ ثُبُوتِ هَذَا الْعَجْزِ عِلْمُ الْقَاضِي بِهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فِي مُدَّةِ عَجْزِهِ عَنْ الطَّالِبِ أَنْ يُلْزِمَ الْكَفِيلَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَنَا لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ كَسْبِهِ وَحَوَائِجِهِ وَعِنْدَ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَدْيُونِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي عُسْرَتُهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ وَسَنُقَرِّرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَإِذَا حُبِسَ الْمَكْفُولُ بِهِ بِدِينٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِتَسْلِيمِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِأَنْ يُعْتِقَهُ مِمَّا حُبِسَ فِيهِ إنْ كَانَ دَيْنًا قَضَاهُ عَنْهُ أَوْ حَقًّا آخَرَ أَوْفَاهُ إيَّاهُ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ فِيهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْتِزَامِهِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى الْكَفَالَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ مَحْبُوسًا عِنْدَ غَيْرِ هَذَا الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْبُوسًا عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي فَالسَّبِيلُ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَقُولَ لِلْقَاضِي هُوَ فِي يَدَيْك فَأَخْرِجْهُ مِنْ السِّجْنِ لِأُسَلِّمَهُ إلَى خَصْمِهِ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ حَقُّهُ ثُمَّ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِمَا فَالْقَاضِي يَحْبِسُهُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَنْظُرَ لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ فَيَحْبِسَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ
وَإِنْ مَاتَ الْكَفِيلُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْكَفِيلِ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ وَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُلُوا لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَخْلُفُونَهُ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ. (أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ لَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيمَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى بِاعْتِبَارِ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْقَى بِاعْتِبَارِ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute