للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ ثُمَّ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمُوَافَاةِ بِنَفْسِهِ وَالْمُوَافَاةُ تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْبَرَاءَةِ عَمَّا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ.

وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْكَلَامِ صَحِيحٌ. فَإِذَا أَمْكَنَ فِي هَذَا الْوَجْهِ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ وَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْغَايَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا مُتَعَارَفٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِنَّ رَغْبَةَ النَّاسِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَرْضَى بِأَنْ يَكْفُلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمَالِ حِينَئِذٍ. وَفِيهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ يَجِدُّ فِي طَلَبِهِ لِيُسَلِّمَهُ إلَى خَصْمِهِ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ يَصِيرُ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ سَبَبَ كَفَالَتِهِ بِالنَّفْسِ هُوَ الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ قِبَلَهُ، وَيَكُونُ لِلْحَقَّيْنِ اتِّصَالٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا عَيَّنَ الْكَفَالَةَ بِأَحَدِهِمَا وَأَخَّرَ الْكَفَالَةَ الثَّانِيَةَ إلَى وَقْتِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ؛ كَانَ صَحِيحًا وَإِذَا لَمْ يُوَافِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْمَالُ؛ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَفَالَتَيْنِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِهِمَا مَعًا كَانَ صَحِيحًا. وَبَعْدَ مَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ عَنْهَا إلَّا بِالْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَالَ: فَعَلَيَّ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ كَمْ هُوَ؛ جَازَ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ مَعَ أَنَّ عَيْنَ الْجَهَالَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ بَيْعَ الْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ جَائِزٌ، فَإِنَّ جَهَالَةَ الْقَفِيزِ لَا تَقْتَضِي الْمُنَازَعَةَ. وَهُنَا الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا فَإِعْلَامُهُ بِطَرِيقٍ مُمْكِنٍ فَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك مَا أَدْرَكَك فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْت مِنْ دَرَكٍ كَانَ جَائِزًا وَأَصْلُ لُحُوقِ الدَّرَكِ، وَقَدْرُ مَا يَلْحَقُهُ فِيهِ مِنْ الدَّرَكِ مَجْهُولٌ. وَقَدْ اعْتَادَ النَّاسُ الْكَفَالَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بِمَا أَصَابَك مِنْ هَذِهِ الشَّجَّةِ الَّتِي شَجَّك فُلَانٌ وَهِيَ خَطَأٌ كَانَ جَائِزًا. بَلَغَتْ النَّفْسَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ وَمِقْدَارُ مَا الْتَزَمَهُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَبْقَى مِنْ الشَّجَّةِ وَأَنَّهُ هَلْ يَسْرِي إلَى النَّفْسِ أَوْ لَا يَسْرِي فَدَلَّ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ الْكَفَالَةَ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كَفَلْت بِالْمَالِ الَّذِي لَك عَلَيْهِ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ كَانَ جَائِزًا عَنْ الْمَالِ إذَا أَسْلَمَ نَفْسَهُ إلَيْهِ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ، وَالْإِسْقَاطُ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِأَنَّ الْمُوَافَاةَ بِنَفْسِهِ مُمَكِّنَةٌ لِلطَّالِبِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ وُصُولِ حَقِّ الطَّالِبِ إلَيْهِ فِي إبْرَاءِ الْكَفِيلِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْإِقَامَةَ تَكُونُ عِنْدَ الشَّرْطِ، فَلَا تَثْبُتُ بِدُونِ الشَّرْطِ

وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وَقَالَ إنْ لَمْ أُوَافِيكَ بِهِ غَدًا؛ فَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>