بِقِرَابِ سَيْفِهِ وَلَمْ يَخْرُجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَتَّى قُبِضَا وَكَانَ فِيهِ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِيهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلَّقَ هَذَا الْحُكْمَ بِنَفْسِ الزِّيَادَةِ، وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ فَعِنْدَهَا يُوجَبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَهَذِهِ الْوَاحِدَةُ لِتَعْيِينِ الْوَاجِبِ بِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا حَظٌّ مِنْ الْوَاجِبِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ الْمُبَارَكِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - بِالْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ مَالٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ عِنْدَ قِلَّةِ الْإِبِلِ أَوْجَبَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، فَإِنَّ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ مَالٌ عَظِيمٌ فَفِي إخْلَائِهِ عَنْ الْوَاجِبِ إضْرَارٌ بِالْفُقَرَاءِ، وَفِي إيجَابِ الْوَاحِدَةِ إجْحَافٌ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ فِي إيجَابِ الشِّقْصِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فَأَوْجَبَ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ هَذِهِ الضَّرُورَةُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْإِبِلِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ خِلَافِ الْجِنْسِ. وَمَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّ عِنْدَ كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ يَسْتَقِرُّ النِّصَابُ وَالْوَقَصُ وَالْوَاجِبُ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ كَمَا فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْعَدَدِ يَجِبُ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٌ، ثُمَّ أَعْدَلُ الْأَسْنَانِ بِنْتُ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقُ، فَإِنَّ أَدْنَاهَا بِنْتُ الْمَخَاضِ وَأَعْلَاهَا الْجَذَعَةُ وَالْأَعْدَلُ هُوَ الْأَوْسَطُ، وَكَذَلِكَ أَعْدَلُ الْأَوْقَاصِ هُوَ الْعَشْرُ، فَإِنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسٌ، وَفِي الِانْتِهَاءِ خَمْسَةَ عَشْرَ فَالْمُتَوَسِّطُ هُوَ الْعَشْرُ وَهُوَ الْأَعْدَلُ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً.
(وَلَنَا) حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَخْرِجْ لِي «كِتَابَ الصَّدَقَاتِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَأَخْرَجَ كِتَابًا فِي وَرَقَةٍ وَفِيهِ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ اُسْتُؤْنِفَتْ الْفَرِيضَةُ فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ». وَرُوِيَ بِطَرِيقٍ شَاذٍّ «إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَكُونَ خَمْسًا فَإِذَا كَانَتْ مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَشَاةٌ» وَهَذَا نَصٌّ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ.
وَالْقَوْلُ بِاسْتِقْبَالِ الْفَرِيضَةِ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَشْهُورٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ثُمَّ نَقُولُ وُجُوبُ الْحِقَّتَيْنِ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِ الْآثَارِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَلَا يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute