لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثُلُثِ الْمَالِ وَأَدَّى ثُلُثَهُ وَيَرْجِعُونَ جَمِيعًا عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ بِالْمَالِ، وَإِنْ شَاءَ الْمُؤَدِّي رَجَعَ عَلَى أَحَدِ صَاحِبَيْهِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنْتَ مُسَاوٍ لِي فِي هَذِهِ الْكَفَالَةِ، وَقَدْ أَدَّيْت الْمَالَ فَأَرْجِعُ عَلَيْك بِنِصْفِهِ لِنَسْتَوِيَ فِي الْقِيَامِ بِالْكَفَالَةِ كَمَا اسْتَوَيْنَا فِي الْكَفَالَةِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ وَهُوَ إنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ الثُّلُثَ قُلْنَا: نَعَمْ وَلَكِنَّ الثُّلُثَ الَّذِي عَلَى الثَّالِثِ الْمُؤَدِّي وَهَذَا الْآخَرِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْكَفَالَةِ عَنْهُ بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ إنْ يَقُولَ: نِصْفُ ذَلِكَ الثُّلُثِ أَدَّيْته بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْك؛ لِأَنَّك كَفِيلٌ مَعِي عَنْهُ بِذَلِكَ، وَبَعْضُنَا كَفِيلٌ عَنْ بَعْضٍ فَلِهَذَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ.
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَقِيَا الثَّالِثَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِثُلُثِ الْمَالِ لِيَسْتَوُوا فِي عَدَدِ الْكَفَالَةِ، ثُمَّ إذَا لَقُوا الْمَطْلُوبَ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمَالِ.
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ فِي الْغَدِ وَقَالَ الطَّالِبُ: وَصَلَنِي الْأَلْفُ وَأَدَّيْته أَلْفًا أُخْرَى أَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَدَّيْته أَلْفًا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ الْمَالَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ، وَذَلِكَ الْمَالُ قَدْ سَقَطَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِإِقْرَارِ الطَّالِبِ، وَمَا وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عَقْدُ الْكَفَالَةِ فَلَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ دِرْهَمٍ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ وَمَا بَاعَهُ مِنْ شَيْءٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَمْضِيَ هَذَا الْأَجَلُ لَزِمَهُ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ هُنَا كَمَا تَنَاوَلَتْ الْوَاجِبَ عِنْدَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ تَتَنَاوَلُ مَا يَجِبُ بَعْدَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الِالْتِزَامَ بِالْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ فَمَا كَانَ قَائِمًا مِنْ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ يَصِيرُ الْكَفِيلُ بِهِ كَفِيلًا بِهِ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى كَذَا مِنْ الْأَجَلِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَمَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ مَضَى الْأَجَلُ؛ فَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ، وَإِنْ قِيلَ: شَرْطُ وُجُوبِ الْمَالِ عَدَمُ مُوَافَاةِ مُسْتَحِقِّهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَالُ وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَأُهْرِيقَ الْمَاءُ قَبْلَ اللَّيْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ شُرْبٍ يَتَأَتَّى أَوْ يَكُونُ مُسْتَحَقًّا بِالْيَمِينِ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا أُهْرِيقَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ هُمَا جَعَلَا عَدَمَ الْمُوَافَاةِ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ، فَالتَّقْيِيدُ بِمُوَافَاةٍ مُسْتَحَقَّةٍ يَكُونُ زِيَادَةً ثُمَّ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى وَبِهِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute