للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصِيَّهُ أُخِذَ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَهُ وَلَا يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالْحُضُورِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْآمِرِ عَلَيْهِ قَوْلٌ مُلْزِمٌ، وَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْآمِرَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْكَفَالَةِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ بِشَيْءٍ. وَالْمَعْتُوهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ وِلَايَةَ الصَّبِيِّ عَلَى الْمَعْتُوهِ تَثْبُتُ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ.

وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ صَبِيٍّ عَلَى أَنْ يُوَافِيَ بِهِ غَدًا فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا ذَابَ عَلَيْهِ. فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ بِالْمَالِ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا لِوُجُودِ شَرْطِهِ ثُمَّ الذَّوْبُ عَلَى الصَّبِيِّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِالْمَالِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ قَيَّمَ نَصِيبَهُ الْقَاضِي لَهُ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ أَوْ الْوَصِيَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَاضِ، وَالْإِقْرَاضُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ وَلِيِّهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَالُ لَازِمًا عَلَيْهِ وَأَمْرُ وَلِيِّهِ بِذَلِكَ كَأَمْرِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ.

وَكَفَالَةُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ أَوْ غَيْرِ التَّاجِرِ عَنْ سَيِّدِهِ بِمَالٍ أَوْ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ مُنْفَكٌّ الْحَجْرُ عَنْهُ فِي التِّجَارَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ عَنْ سَائِرِ الْأَجَانِبِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَذَا أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ. فَأَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْتِزَامِهِ فِي الْحَالِ حَقُّ مَوْلَاهُ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَا تُلَاقِي حَقَّ مَحَلِّ الْغُرَمَاءِ فَلِهَذَا نَفَذَ مِنْهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى سَوَاءٌ كَفَلَ عَنْ الْمَوْلَى أَوْ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَجِبُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ حَبْسُهُ إنْ لَمْ يُحْضِرْ نَفْسَ الْمَطْلُوبِ وَذَلِكَ يُوقِعُ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ خِدْمَتِهِ فَلِهَذَا جَازَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِالْمَالِ بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَالِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ بِأَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ يُقَرَّ بِالدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ حَتَّى كَفَلَ عَنْهُ فَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ مِنْ خَالِصِ مُلْكِهِ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ الْكَفَالَةَ حِينَ وَقَعَتْ لَمْ تَكُنْ مُوجِبَةً لَهُ شَيْئًا عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى مَوْلَاهُ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ تُوجِبُ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ حَقًّا، وَلِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا أَنَّ مَا يَجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ أَدَائِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيلَ الْأَصِيلُ قَبْلَ أَدَائِهِ عَنْهُ؛ كَانَ صَحِيحًا وَلَا يَرْجِعُ إذَا أَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الْكَفَالَةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مِمَّنْ يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا عَلَى مَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>