مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُ الْخُلْطَةِ، وَذَلِكَ بِاتِّحَادِ الْبِئْرِ وَالدَّلْوِ وَالرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَالْكَلْبِ، وَحُجَّتُهُ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِي الدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَالرَّاعِي وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ، وَهَذَا النِّصَابُ مُجْتَمِعٌ فَلَا يُفَرَّقُ وَاعْتَبَرَ الْخُلْطَةَ فِي إثْبَاتِ التَّرَاجُعِ، وَالتَّرَاجُعُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ أَنَّ لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرًا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا نِصَابٌ تَامٌّ مَمْلُوكٌ لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِسَبَبِ الْخُلْطَةِ تَخِفُّ الْمُؤْنَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ تَأْثِيرٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلِهَذَا وَجَبَتْ فِي السَّائِمَةِ دُونَ الْعَلُوفَةِ، وَأَوْجَبَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرَ وَفِيمَا يُسْقَى بِالْغَرْبِ وَالدَّالِيَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَسَائِمَةُ الْمَرْءِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ فَلَيْسَ فِيهَا الزَّكَاةُ» وَهُنَا سَائِمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ غِنَى الْمَالِكِ بِمِلْكِ النِّصَابِ مُعْتَبَرٌ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِغَنِيٍّ بِمَا يَمْلِكُ بِدَلِيلِ حِلِّ أَخْذِ الصَّدَقَةِ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَبْعَدُ مِنْ الْمُكَاتَبِ مِنْ كَسْبِهِ فَلِلْمُكَاتَبِ حَقُّ مِلْكٍ فِي كَسْبِهِ، وَلَيْسَ لَلشَّرِيكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ حَقُّ الْمِلْكِ، فَإِذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِاعْتِبَارِ كَسْبِهِ فَلَأَنْ لَا تَجِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ صَاحِبِهِ كَانَ أَوْلَى.
(وَأَمَّا الْحَدِيثُ) فَدَلِيلُنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْمَكَانِ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ نِصَابٌ كَامِلٌ فِي أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُجْمَعُ فَدَلَّ أَنَّ الْمُتَفَرِّقَ فِي الْمِلْكِ لَا يُجْمَعُ فِي حُكْمِ الصَّدَقَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالتَّرَاجُعِ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ، فَإِنَّ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنْ الْغَنَمِ إذَا كَانَتْ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ وَلِلْآخَرِ ثَمَانُونَ فَحَالَ الْحَوْلُ فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَأَخَذَ مِنْ عُرْضِهَا شَاتَيْنِ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْكَثِيرِ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ بِثُلُثِ شَاةٍ، ثُمَّ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي إنَّمَا يَجِبُ شَاةٌ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ نِصَابَهُ قَدْ نَقَصَ عَنْ الْأَرْبَعِينَ، فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ شَاةً رَجَعَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى صَاحِبِ الْكَثِيرِ بِثُلُثِ شَاةٍ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّرَاجُعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute