بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي كَسْبِهِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى إلَيْهِ الْمَالَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ لِيَسْتَوِيَا فِي غُرْمِ الْكَفَالَةِ كَمَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَطَلَ عَنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكٌ لِنِصْفِ كَسْبِهِ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ فَلِهَذَا بَطَلَ عَنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكٌ لِنِصْفِ كَسْبِهِ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا بَطَلَ عَنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الدَّيْنِ وَلَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَضْمَنُ بِأَصْلِ الْكَفَالَةِ صَاحِبَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبُهُ كَفِيلًا عَنْهُ بِذَلِكَ إذْ يَكُونُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَفَلَ مَا جَازَتْ فِيهِ كَفَالَةُ الْمُسْلِمِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عَنْ الذِّمِّيِّ جَازَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَسْتَوُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ
وَلَوْ كَفَلَ الذِّمِّيُّ عَنْ الذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ بِالْخَمْرِ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُمْ فَإِنْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ سَقَطَتْ الْخَمْرُ عَنْ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا لَا إلَى بَدَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْخَمْرَ وَلَا قِيمَتَهَا ابْتِدَاءً بِهَذَا السَّبَبِ عَلَى أَحَدٍ فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى مَا كَانَ وَاجِبًا لَهُ وَيُجْعَلُ بِإِسْلَامِهِ لَهُ كَمُبْرِئِ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ قِيمَةُ الْخَمْرِ وَيَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْمَطْلُوبِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَيْهِ لِلذِّمِّيِّ ابْتِدَاءً.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُسْلِمُ خَمْرَ ذِمِّيٍّ أَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا فَأَتْلَفَهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ تَبْقَى الْقِيمَةُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَقَدْ جَعَلْنَا الطَّالِبَ بِإِسْلَامِهِ كَالْمُبْرِئِ وَالْمَطْلُوبُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِإِسْلَامِهِ كَالْمُبْرِئِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْرِئُ نَفْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ لَا يَبْرَأْ الْكَفِيلُ فَيَكُونَ لِلطَّالِبِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالْخَمْرِ ثُمَّ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي هِيَ بَدَلُ الْقَرْضِ إذَا سَقَطَتْ بِالْإِسْلَامِ تَسْقُطُ لَا إلَى بَدَلٍ كَمَا إذَا سَقَطَتْ بِإِسْلَامِ الطَّالِبِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ اسْتَوْفَى الْقِيمَةَ لَكَانَ بِهِ مُمَلَّكًا مِنْ الْمَطْلُوبِ الْخَمْرَ الَّتِي فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ بِبَدَلٍ فَتَسْقُطَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ حَقَّ إسْقَاطِ الْبَدَلِ مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطِ تَمْلِيكِ الْمُبْدَلِ. فَإِذَا امْتَنَعَ ذَلِكَ يَسْقُطُ أَصْلًا كَمَنْ هَشَّمَ قَلْبَ فِضَّةٍ لِإِنْسَانٍ فَلِصَاحِبِ الْقَلْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُمَلِّكَهُ الْمَهْشُومَ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مُسْلِمًا وَقْتَ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّ أَصْلَ الْخَمْرِ لَا تَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute