للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمُطْلَقِ الْكَلَامِ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ النَّاسِ.

وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ادْفَعْ إلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ خَلِيطًا لِلْآمِرِ أَوْ بَعْضَ مَنْ فِي عِيَالِهِ رَجَعَ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ بِاعْتِبَارِ الْخُلْطَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرَرِ مِنْ جِهَتِهِ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَرْجِعْ الْآمِرُ عَلَى الْقَابِضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَصِيرُ قِصَاصًا بِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُورُ خَلِيطًا لِلْآمِرِ فَلَا إشْكَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَعَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: ادْفَعْهُ إلَيَّ. وَعَلَى قِيَاسِ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَابِضَ يَسْتَوْفِي حَقًّا وَاجِبًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: ادْفَعْهَا إلَى فُلَانٍ قَضَاءً.

وَلَوْ أَمَرَ خَلِيطًا لَهُ أَنْ يَنْقُدَ فُلَانًا عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ نَجِيَّةٍ فَنَقَدَ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ غَلَّةً أَوْ نَبَهْرَجَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِمِثْلِ مَا أَعْطَى بِخِلَافِ الْكَفِيلِ بِالنَّجِيَّةِ إذَا أَدَّى بِالْغَلَّةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنَّجِيَّةِ فَإِنَّ رُجُوعَ الْكَفِيلِ بِحُكْمِ الِالْتِزَامِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ وُهِبَ الْمَالُ مِنْهُ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ النَّجِيَّةَ فَاسْتَوْجَبَ مِثْلَهَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ ثُمَّ إنْ سَامَحَهُ الطَّالِبُ فَتَجُوزُ بِالْغَلَّةِ؛ لَا يَجِبُ أَنْ يُسَامِحَ الْأَصِيلَ بِشَيْءٍ فَأَمَّا الْمَأْمُورُ فَهُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٌ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْأَدَاءِ. (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ وُهِبَ الْمَالُ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بِالْأَدَاءِ رَجَعَ الْمُؤَدِّي.

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ رَجُلًا فَلَمَّا اسْتَوْفَاهَا الْمُحْتَالُ قَالَ الْمُحْتَالُ لِلْمُحِيلِ: كَانَ الْمَالُ لِي عَلَيْك فَإِنَّمَا اسْتَوْفَيْت حَقَّ نَفْسِي، وَقَالَ الْمُحِيلُ: بَلْ كُنْت وَكِيلِي فِي قَبْضِ مَالِي؛ لَمْ يَكُنْ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَانَ ظَاهِرًا كَالْمَقْبُوضِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ ثُمَّ الْقَابِضُ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ حَتَّى يَحْبِسَ مَالَهُ بِذَلِكَ. وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ الدَّيْنُ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ إحَالَتَهُ عَلَيْهِ لَا تَكُونُ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ دَيْنُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَرَادَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَالَ مِنْ الَّذِي أَحَالَ بِهِ عَلَيْهِ وَرَبُّ الْمَالِ غَائِبٌ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: اضْمَنْ لَهُ هَذَا الْمَالَ. فَهُوَ مِثْلُ الْحَوَالَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اضْمَنْ لَهُ هَذَا الْمَالَ عَنِّي فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِالْمَالِ لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَضْمَنَ عَنْهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: اضْمَنْ عَنِّي لَهُ، بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ مِنْهُ أَنَّ الْقَابِضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>