للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَبْرَأَهُ الْكَفِيلُ مِنْهُ وَتِسْعُمِائَةٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَلْتَزِمُ الْمُطَالَبَةَ، وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ يَكُونُ تَصَرُّفًا فِي تِلْكَ الْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ. وَبِالْإِبْرَاءِ لَا يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ. وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ وَهَبَ التِّسْعَمِائَةِ لِلْكَفِيلِ؛ كَانَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْأَلْفُ بَعْضُهَا بِالْأَدَاءِ وَبَعْضُهَا بِالْهِبَةِ مِنْهُ.

وَالْبَعْضُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ فِي الْأَصْلِ. فَمِنْ ضَرُورَةِ تَصْحِيحِهِ: تَحَوُّلُ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، فَلَا يَبْقَى لِلطَّالِبِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ شَيْءٌ وَيَتَحَوَّلُ الْكُلُّ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهَا بِالْهِبَةِ وَالْأَدَاءِ فَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ كَانَ لِلْكَفِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا الصُّلْحِ وَالشِّرَاءِ يَتَمَلَّكُ جَمِيعَ الْأَلْفِ. وَمِنْ ضَرُورَةِ صِحَّتِهَا تَحَوُّلُ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ. فَإِنَّ الصُّلْحَ فِي غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ يَكُونُ تَمْلِيكًا كَالْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِعَيْنِهِ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ مَتَاعٍ فَالْجَوَابُ فِي الْكُلُّ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ كَفِيلٌ آخَرُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ أَوْ الْبَيْعَ بِمَنْزِلَةِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْكَفِيلِ مَعَهُ. وَلَوْ أَدَّى جَمِيعَ الْمَالِ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ فِي الْكَفَالَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا.

وَلَوْ كَفَلَ رَجُلَانِ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَخَذَ صَاحِبَهُ فِي الْكَفَالَةِ مَعَهُ بِالنِّصْفِ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى إنْ أَبْرَأَهُ خَاصَّةً مِمَّا بَقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ وَاسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ الْمُؤَدَّى وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ لِيَسْتَوِيَ مَعَهُ فِي الْغُرْمِ فَإِذَا اسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَاقِي؛ جَازَ كَمَا لَوْ عَامَلَ الْأَصِيلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. ثُمَّ بَرَاءَةُ الْكَفِيلِ بِالْإِبْرَاءِ لَا تَكُونُ بَرَاءَةً لِلْأَصِيلِ وَقَدْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ فَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ مِائَةٌ فَيَبْقَى حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ بِتِسْعِمِائَةٍ وَيَثْبُتُ لِلْكَفِيلِ الْآخَرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ بِمِائَةٍ فَأَيُّهُمَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا اقْتَسَمَا الْمَأْخُوذَ اعْتِبَارًا عَلَى قَدْرِ شَرِكَتِهِمَا فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ. لِأَحَدِهِمَا تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ، وَلِلْآخِرِ عُشْرٌ. وَلَوْ صَالَحَ الْمُؤَدِّي صَاحِبَهُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ عَرَضٍ؛ جَازَ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ صُلْحُهُ مَعَ الطَّالِبِ عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ. وَيَمْلِكُ الْكَفِيلُ الْآخَرُ خَمْسَمِائَةٍ بِهَذَا الصُّلْحِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَدَّاهَا بِعَيْنِهَا إلَى الْمُؤَدِّي فَيَتْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَصِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>